بعض العلماء عملوا تجربة عبارة عن إنهم جابوا خمس قرود حبسوهم في قفص متعلّق في سقفه موز وحطولّهم سلم في القفص يمكنّهم من الوصول للموز، لكن كل ما قرد يحاول يطلع السلم عشان ياكل الموز كانوا بيرشوا القرود كلها بميّة ساقعة جدًا، مرة واتنين وتلاتة لحد ما القرود بطّلوا يطلعوا السلم أو حتى ييجوا جنبه خوفًا من إنهم يتلسعوا تاني من الميّة.
العلماء بدأوا يشيلوا قرد من القُدام ويحطوا قرد جديد لسّه مايعرفش الحكاية، طبعًا القرد أول ما دخل القفص جري على السلم عشان يوصل للموز. بس اللي حصل المرة دي إن القرود القدام هم اللي منعوه إنه يطلع!
قصة التبديل دي اتكررت لحد ما كل القرود اللي في القفص بقوا جداد، ومفيش قرد فيهم إترش بمية ولا يعرف إيه الموضوع، بس برضه مابيجوش جنب السلم وبيمنعوا أي قرد يفكر إنه يطلع السلم، لأن الموز أصبح بالنسبة لهم ممنوع. بس ممنوع ليه؟ مايعرفوش!
فيه تجربة شبيهة جدًا بتجربة القرود الخمسة. بس المرة دي عملوها على البشر.
خبوا كاميرا في عيادة دكتور وجابوا مجموعة أشخاص يمثّلوا إنهم قاعدين مستنين دورهم في الكشف، واستنوا وصول أول زائر حقيقي جاي يكشف ودخل قعد وسط المجموعة.
التجربة كانت عبارة عن صفارة بتضرب كل 30 ثانية والمجموعة اللي ضمن فريق العمل أول ما يسمعوا صوت الصفارة بيقوموا يقفوا ويقعدوا تاني بحركة تلقائية جدًا، طبعًا الزائر \”اللي بيتعمل فيه التجربة\” أول مرة استغرب. بس مع تاني مرة بدأ يحس بإحراج وإنه شاذ عن القاعدة. وفي تالت مرة بدأ يقوم ويقعد معاهم دون أدنى فهم منه هو ليه بيعمل كده!
بدأ الممثلين يمشوا واحد ورا التاني لحد ما فضل الزائر لوحده، الغريب إنه لما سمع الصفارة قام وقف وقعد.. لوحده!
والأغرب إنه لما جه زائر جديد مش من ضمن فريق العمل وشافه بيعمل كده، سأله إنت ليه بتقف؟ قاله: فيه صفارة بتضرب كل 30 ثانية لازم لما تسمعها تقوم وتقعد. وبرر الفعل ده بإن كله هنا بيعمل كده!
الحقيقة أنا مش مدرك إزاي أستمر في فعل حاجة أنا مش فاهم أنا بعملها ليه أصلًا. خصوصًا لو حاجة غير منطقية زي إني أقوم أقف وأقعد كل ما أسمع صفارة، لأ وكمان أعلِّم الناس يعملوا زيّي من غير ما أقولهم سبب. لأن أنا نفسي مش عارف.
بس أدركت ده لمّا دخلت الجيش.
المؤسسة العسكرية هم أنجح ناس عملوا التجربة دي، لأنهم دايما بيلعبوا على مشاعرك وبيستغلوا حتة الخوف اللي جواك وبينموها، \”هجازيك\”. ودي بلُغتنا يعني \”هحوّلك للتحقيق\”، بالنسبة لأي حد عادي في نزاع مع طرف تاني كلمة \”هحوّلك للتحقيق\” دي هتبقى منصفة نوعًا ما. لأنه لو شايف نفسه على حق فخلاص نسيب التحقيق يحكم بيننا.
إنما بالنسبة للعسكري ده شئ مرعب، فالمحاكمة العسكرية أو القانون العسكري في حد ذاته كلام دايما بيستخدموه للترهيب. رغم إنك ماتعرفش من القانون ده ولا مادة، ويجوز أصلا الظابط اللي بيقولك هحاكمك هو نفسه ماقراش من القانون العسكري ولا مادة، لكن هكذا أصبحنا.. القرود اللي خايفين من الموز بس مش عارفين ليه!
كل العساكر ماشيين بنفس النمط. أول ما بيدخلوا الجيش بيبدأوا يستنكروا الوضع ويقارنوا الواقع اللي لقوا نفسهم فيه بتخيلاتهم اللي بنوها على كلام أهاليهم والأساطير اللي سمعوها عن حب الوطن وترابه وأبطال 73 والرجولة اللي مابيتعلمهاش إلا اللي يخش الجيش، فيبدأوا بالأسئلة المنطقية زي (إيه اللي أنا بعمله هنا بيفيد الوطن؟ ليه سموها خدمة وطنية وأنا في الواقع باخدم فرد أو شخص بعينه؟ إيه الخدمة الوطنية في إني أخرج أجيب سجاير لظابط أو أغسلّه عربيته؟)
ويبتدي يفكر في إنه يشتكي لأن ده أكيد مش الصح وإنه ممكن يفيد البلد فعلا سواء بمجاله أو بدراسته أو بقدرته على فعل أي شئ تاني. وإن ده أصلًا هو السبب المنطقي للتجنيد، لكن سرعان ما يمنعه القرود (العساكر القدام) من الشكوى ناصحينه \”ماتوديش نفسك في داهية\”.
– طب هل حصلت قبل كده إن حد إشتكى وراح في داهية؟
– لأ.
– أومال ليه؟
السبب بسيط جدا. إنهم خلاص إترسخ في دماغهم وعقلهم الباطن إن أيًا كان اللي هيحصلك، سيبه يحصلّك عشان الموز ماينفعش تقربله، ليه؟ مانعرفش بس هو كده، ويبدأوا برضه يخترعوا لنفسهم مبررات، بس للأسف مابيلاقوش أي حاجة تنفع كمبرر، فإخترعولهم كام جُملة كده تِنفع كمسكن تتقال وقت الغضب زي (عدي جيشك، المهم تخرج بالدوسيه نضيف، سنة سيكا وإمسحها بأستيكة، كام يوم يا جيش وأقول ع الجراية عيش) لحد ما العسكري الجديد اللي بيستخدم عقله يتحوّل هو كمان لمسخ شبههم بالظبط. بينفذ كل اللي يتقاله حتى لو مُخالف لقانون العسكرية نفسه، بل وبيعلّم كل اللي يجيله جديد إتباع نفس المنهج وبيوصلوا لمرحلة إنهم يزايدوا على بعض مين فيهم إتفشخ أكتر ومين فيهم إتأذى نفسيًا أكتر (يا بني هو إنت لسّه شوفت جيش؟ ده إنت العربية اللي جابتك لسّه ماغيرتش زيت).
وبعد ما يتعلّموا الخوف والجُبن وإنعدام الشخصية وعدم التفكير في الإعتراض على الإدارة، بمنطق \”لأنها الإدارة فهي الصح، وحتى لو أخطأت فخطؤها صواب\”، وبعد ما يبقوا مشوّهين ذهنيًا ونفسيًا، يطلقوهم على المجتمع كلًا في مجاله، الدكتور يمارس التشوه ده على المرضى والمُدرس يمارسه على الطلبة. وهكذا، إلى أن يتحول المُجتمع -ده إذا مكانش إتحول فعليًا- لشوية مشوهين بيمارسوا أمراضهم النفسية على بعض.
ده ياخدنا للسؤال الأهم وهو الجزء الناقص من نظرية القرود الخمسة.
القرود بعد إنتهاء التجربة لمّا خرجوهم من القفص ورجعوهم الغابة، هل رجعوا يتنططوا على الشجر وياكلوا موز ولا فضلوا عايشين بخوفهم منه لحد ما ماتوا من الجوع؟