المادة 37 من قانون مكافحة الارهاب وما بعدها من مواد، جاءت إرثا فاسدا من إعلان الأحكام العرفية التي أصدرتها سلطة الاحتلال البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية.. فضلا عن مخالفتها لنصوص الدستور المصري الجديد 2104 وما انطوت عليه تلك المواد من انتهاكات دستورية فجة وشمولها على ازدواجية العقوبة.
فقد جرى نص المادة 37 من قانون مكافحة الارهاب على أنه:
مادة (37):
للمحكمة في أية جريمة ارهابية، فضلا عن الحكم بالعقوبة المقررة أن تقضي، بتدبير أو أكثر، من التدابير الآتية:
1- إبعاد الأجنبي عن البلاد.
2- حظر الإقامة في مكانٍ مُعين أو في منطقةٍ مُحددة.
3- الإلزام بالإقامة في مكان مُعين.
4- حظر الاقتراب أو التردد على أماكن أو محال معينة.
5- الإلزام بالوجود في أماكن معينة في أوقاتٍ مُعينة.
6- حظر العمل في أماكن معينة أو مجال أنشطةٍ مُحددة.
7- حظر استخدام وسائل اتصال مُعينة أو المنع من حيازتها أو إحرازها.
8- الإلزام بالاشتراك في دورات إعادة تأهيل.
وفيما عدا التدبير الأول، لا يجوز أن تزيد مدة التدبير على خمس سنوات.
ويعاقب كل من يخالف التدبير المحكوم به بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر.
وفي جميع الحالات، يترتب على الحكم بالإدانة في جريمة ارهابية فقد شرط حسن السمعة والسيرة اللازمين لتولي الوظائف العامة أو الترشح للمجالس النيابية.
– وهو ما نجد معظمه بكل أسف في سياق المادة الثالثة من إعلان الأحكام العرفية في البلاد أثناء الحرب العالمية الثانية، ولا يمكن القول هنا بأن الصياغة مختلفة في كل من القانونين طالما كل منهما يؤدي إلى ذات النتائج التي يؤدي إليها الآخر.. كما لا يمكن التحدث عن السلطة التي تقوم بتطبيق كل من القانونين، فالأمر في قانون الارهاب لا يعدو كونه تقنينا للاستبداد وللاجراءات الاستثنائية في التعامل مع كل من يتم توجيه الاتهام إليه.
فقد جاء نص المادة الثالثة من إعلان الأحكام العرفية على أنه:
(يجوز للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أن تتخذ إما بإعلان أو بأوامر كتابية أو شفوية كل أو بعض التدابير التالية:
– سحب الرخص لإحراز السلاح وحمله والأمر بتسليم الأسلحة على اختلاف أنواعها والذخائر والمتفجرات والمفرقعات وضبطها أينما وجدت وإغلاق محال ومخازن الأسلحة.
– الترخيص بتفتيش الأشخاص والأماكن والمساكن في أية ساعة من ساعات النهار أو الليل.
– الأمر بفرض الرقابة على الصحف والمطبوعات الدورية قبل نشرها، ووفق نشرها وتداولها، والأمر بمنع صدور أي جريدة أو مجلة، وإغلاق أي مطبعة وضبط المطبوعات والنشرات والإعلانات والرسومات التي من شأنها إثارة الخواطر أو الحض على الفتنة أو الإخلال بالنظام أو الأمن العام.
– الأمر بفرض الرقابة على الرسائل والمراسلات البرقية والهاتفية.
– تحديد موعد فتح وإغلاق المحلات العامة أو بعض أنواع منها وتعديل تلك المواعيد، وإغلاق المحلات المذكورة كلا أو بعضا.
– الأمر بإعادة الأشخاص المولودين أو المتوطنين في غير الجهة التي يقيمون فيها إلى مقر ولادتهم أو توطنهم إذا لم يوجد ما يبرر مقامهم في تلك الجهة، أو اشتراط أن يكون بيد كل منهم بطاقة إثبات شخصية (هوية) أو إذن خاص بالإقامة.
– إبعاد غير المصريين من البلاد أو الأمر بحجزهم في مكان أمين إذا خُشي من وجودهم على الأمن والنظام العام.
– منع أي اجتماع عام وفضه بالقوة، وكذا وقف نشاط أي نادي أو جمعية وجماعة.
– منع المرور في ساعات معينة من النهار أو الليل في كل الجهات التي أجريت فيها الأحكام العرفية أو في بعضها إلا بإذن خاص أو لضرورة عاجلة بشرط إثبات تلك الضرورة.
– إخلاء بعض الجهات أو عزلها.
– الاستيلاء المؤقت على وسائل النقل أو على منشأة أو مؤسسة عامة أو خاصة أو على أي محل أو أي عقار أو منقول، وذلك بغير إخلال بحقوق الملكية على هذه الوسائل والمنشآت والمحال والأموال، وبحق أصحابها في تعويض عادل.
– تكليف القادرين من الأفراد بأداء أي عمل من الأعمال التي تقتضيها ضرورة قومية وذلك في نظير مقابل عادل.
ولمجلس الوزراء التضييق من دائرة الصلاحيات المتقدمة للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية، كما يجوز له أن يأذن باتخاذ أي تدبير تقتضيه ظروف الأمن والنظام العام في كل أو بعض الجهة التي تجري فيها الأحكام العرفية).
– واستمر قانون الارهاب في باقي مواده يعيد انتاج الأحكام العرفية، بل وزاد عليها سوء ووحشية بأن سمح لسلطة الداخلية الحق فيما اسماه التحفظ على المتهم لمدة ثمانية أيام! وهذا اللفظ فضلا عن أنه يعيد إلى الأذهان قرارات التحفظ التي اصدرها السادات في سبتمبر 1981، فإنه يهدر الضمانة الدستورية المقررة بمقتضى نص المادة 54 من الدستور المصري، والتي أوجبت تقديم المتهم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة، وبالتاكيد في نص قانون الارهاب قد اهدر هذا الحق وقرر أحقية الأمن في الاحتفاظ بالمتهم لمدة أسبوع آخر بموجب مذكرة يتم عرضها على المحامي العام.
وفي هذا النص إهدار للضمانة الدستورية المقررة من وجوب تقديم المتهم إلى سلطة التحقيق حتى يتمكن من الرد ما يوجه إليه من اتهامات وأن تكون سلطة التحقيق على بينة من وجهة نظر الأمن ووجهة نظر المتهم ودفاعه لتوازن بينها، كي تتمكن من اصدار قرارها بشأنه، لا أن تسمح للأمن بالاحتفاظ بالمتهم لأسبوع آخر يكون فيها المتهم بعيدا عن أهله وذويه ومحاميه وجهة تحقيق قضائية مستقلة، وهو اهدار بالتأكيد لحقوق المتهم ولضمانات المتهم في مرحلتي جمع الاستدلالات والتحقيق.
– التفت القانون كذلك عن كفالة حق الدفاع واهدر حق المتهم في الاتصال بمحاميه وذلك بأن جاءت المادة 41 من القانون لتعطي لرجال الأمن وحدهم -والمتهم تحت يدهم- ما إذا كان وجود محامي يخل بمصلحة التحقيق من عدمه، فإن كان من وجهة نظر رجل الأمن يخل بمصلحة التحقيق، فقد منحه القانون حق اهدار الحق الدستوري المقرر وأن يمنع المتهم من حضور محام معه!
فقد جاء بنص المادة 41 من القانون:
– يبلغ مأمور الضبط القضائي كل من يتحفظ عليه وفقا للمادة (40) من هذا القانون بأسباب ذلك، ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه من ذويه بما وقع، والاستعانة بمحام، وذلك دون الإخلال بمصلحة الاستدلال!!!!
– وتستمر نصوص القانون في انتزاع سلطة اصدار الإذن بمراقبة المراسلات والمحادثات من القاضي ومنحها للنيابة العامة، فضلا عن إقراره للتهجير القسري تحت دعاوي عبارات واسعه ومطاطه مثل الحفاظ على الأمن والنظام العام، فضلا عن فرض حظر التجوال لمدة تصل إلى ستة أشهر، ويمكن اصدار كل تلك القرارات شفويا.
هذا بعض من كثير حول هذا القانون والذي اؤكد أن البلاد لم تكن أبدا في حاجة إليه وأن التشريعات العقابية الموجودة قبل اصداره كافية بذاتها لتحقيق الردع العام والخاص في الجرائم الارهابية، والقانون من جهة أخرى هو تقنين للاستبداد وجعل اليد الطولى في البلاد لأجهزة الأمن وفق تقديراتها هي وحدها، ومن ناحية ثالثة، فالقانون يضع مصر في موقف صعب أمام مدى التزاماتها بتعهداتها الدولية التي وافقت وصدقت عليها في العديد من الاتفاقيات الدولية، وهو ما يجعلني احذر وبشدة من تداعيات تطبيق هذا القانون وما على شاكلته.