قراءة في القرار بقانون رقم 94 لسنة 2015 (قانون مكافحة الارهاب)
ورقة حول قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 8 لسنة 2015
المعروف باسم (قانون تنظيم قوائم الكيانات الارهابية والارهابيين)
اصدر السيد رئيس الجمهورية القانون رقم 94 لسنة 2015 مستندا في ذلك إلى الحق المقرر له في المادة 156 من الدستور الحالي والتي منحته سلطة التشريع –(استثناء)- في حال حدوث ما يستوجب الاسراع باتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير.
والقانون الجديد حلقة جديدة في مسلسل قمع السلطة للمعارضة، تجاوزت أقصى عصور الظلام التي مرت بها البلاد في القرن الماضي وأوائل القرن الحالي..
القانون بما حواه من مواد ونصوص وعبارات ركيكة وواسعة وفضفاضة، وما يمثله من انتهاك سافر وسافل لنصوص الدستور الحالي الذي وضعته ذات السلطة الحالية وروجت له عبر إعلامها، ومارست حملات تضليل وخداع للمواطنين لإقناعهم بأنه يمثل أقصى آمال وطموحات الدولة المدنية الديمقراطية، وبالرغم من الانتقادات التي وجهت إلى الدستور الحالي، خاصة فيما يتعلق بتوسيع دائرة المحاكمات العسكرية للمدنيين، إلا أن السلطة قررت أن تنقلب على دستورها عبر إفراز مجموعة من القوانين الاستثنائية سيئة السمعة، بداية من قانون التظاهر، مرورا بقانون الكيانات الارهابية، وصولا إلى قانون مكافحة الارهاب الذي نحن بصدد الحديث عنه.
القانون هو إعادة انتاج مشوه لقانون الطوارئ، بل يزيد عنه قهرا وتغولا على الأمن في حياة المواطنين، واعتداء صارخا على الحقوق والحريات العامة وحرمة الحياة الخاصة، فضلا عن مخالفته الفجة وانتهاكه الصريح لباب الحقوق والحريات الوارد بالدستور المصري، خصوصا الاعتداء على الحق في التظاهر السلمي وكافة أشكال الاحتجاج السلمي كالاعتصام والاضراب والحق في التنقل، وضمانات المحاكمة العادلة المنصفة وحرية الإعلام وحق الرأي والتعبير.
القانون تغلب عليه النظرة الأمنية دون وجود أي رؤية سياسية، مما يعكس الواقع الحالي، وهو سيطرة النظرة البوليسية على إدارة كافة الأزمات التي تمر بها البلاد، فضلا عن أن توقيت وطريقة إصداره تؤكدان على أن إدارة البلاد لا تستمع إلى الأصوات العديدة التي تنادي بحل مثلث انتاج الارهاب، وهو الفقر والجهل وغياب الخطاب الديني المستنير.
كما أن صياغة القانون جاءت في عبارات عامة وفضفاضة ومطاطة، ودون أي ضوابط عملية لتعريف الارهاب أو الارهابي، بحيث تتسع لتشمل كل من يعارض النظام أو يشارك في عمل سلمي احتجاجي، وجعل الأمر بيد السلطة التنفيذية لتحدد هي ذلك وفق رؤيتها الخاصة.
لكننا في حاجة قبل أن نبدأ في قراءة ذلك القانون، أن نلفت الأنظار إلى أن القوانين الحالية كانت بذاتها كافية للمواجهة القانونية للارهاب، وليس أدل على ذلك من مئات الأحكام التي صدرت بالإعدام ضد متهمين في قضايا وصفت بأنها ارهابية.. فهل كانت البلاد في حاجة إلى مزيد من القوانين الاستثنائية وإلى ذلك التغول الواضح على الدستور والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان؟
بالتأكيد لم تكن البلاد في حاجة إلى مزيد منها، لكن النظام كان في حاجة إلى المزيد من التشريعات الاستثنائية لمواجهة حالات الرفض والغضب الشعبي المتزايد في أوساط عدة.. النظام في حاجة إلى خلق بعابع جديدة (جمع بعبع) بعابع يخيف بها البسطاء من ابناء الشعب تحت دعاوى المؤامرة الكونية على الوطن وخندقة كل من لا يسير مع القطيع في خندق واحد هو خندق الارهاب.
نعم.، لقد أراد النظام بذلك القانون أن تمتد يد الأمن لتبطش بالجميع.. الجميع بلا استثناء.. حتى لو كان اختلافه مع النظام جزئيا وليس كليا!
أما عن القانون وما اعتراه من ضحالة وركاكة ومخالفات دستورية، فحدث ولا حرج:
– التعريفات: جاءت تعريفات الجماعة الارهابية وتعريفات الشخص الارهابي في القانون، فضلا عن ادخال المهتمين في دوامة من التفسيرات والتعريفات بين سلسلة من التشريعات سارية المفعول كلها سواء في المادة 86 عقوبات، والتي عرفت الارهاب.. أم بالقانون رقم 8 لسنة 2015 المعروف باسم قانون الكيانات الارهابية.. أم بقانون الارهاب الذي نحن بصدده! فما هو الفرق بين الارهابي في التشريعات الثلاثة السابقة؟ وما هو الفرق بين الكيان الارهابي والجماعة الارهابية في كلا القانونين.. وما هو الفرق بين العمل الارهابي في التشريعات الثلاثة؟ وما هي معايير وضوابط تطبيق كل قانون منهم على حدة؟
– المادة الثامنة من القانون والتي يحاول البعض تصويرها بأنها حالة من حالات الدفاع الشرعي لرجال الأمن والتي لا تتيح لهم فقط استخدام القوة مع المتهمين، بل إنها تمنع المساءلة الجنائية عنهم وتعطيهم حصانة غير مبررة وتعطى رجل الأمن وحده تقدير حالة الضرورة لدفع ما اسماه القانون \”الخطر المحدق\”.
– المواد من 12 إلى 27 من القانون منسوخه نصا من مواد القسم الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات؟ وبالتالي، فلم تكن هناك حاجة إلى إفراد قانون خاص بها مرة أخرى.
لكن الحاجة -من وجهة نظر النظام- كانت إلى باقي نصوص مواد القانون، والتي تستهدف مزيدا من قمع الحريات؟ وذلك بقراءة سريعة لباقي نصوص القانون:
– فقد عاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من روج أو أعدَّ للترويج، بطريق مباشر أو غير مباشر، لارتكاب أية جريمة إرهابية سواء بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى. واعتبر القانون أنه يعد من قبيل الترويج غير المباشر، الترويج للأفكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف، وذلك بأي من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الساب من هذه المادة!!
وهذا النص الذي يعيد إلى الأذهان محاكم التفتيش، ويدخلنا في دوامة من الأسئلة حول ما هي المعايير التي يمكن أن توضع لتعريف أي فكر أو معتقد أنه من الأفكار الداعية إلى استخدام العنف؟ إن هذا النص يمكن أن يمتد ليشمل أي أفكار لا تروق لأجهزة الأمن التي وصفت الشيوعية مثلا في العديد من القضايا أنها تسعى إلى استخدام العنف، كما وصفت تلك الأجهزة الأمنية نفسها في تقاريرها، روابط الألتراس بأنها تدعو إلى استخدام العنف.. إلخ.
– المادة 33 من القانون، عاقبت أيضا بالجبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من علم بوقوع جريمة إرهابية أو بالإعداد أو التحضير لها، أو توافرت لديه معلومات أو بيانات تتصل بأحد من مرتكبيها، وكان بإمكانه الإبلاغ، ولم يُبلغ السلطات المختصة! واثبات ركن العلم هنا أو عدم العلم، هو بالقطع أمو يستحيل اثباته، ويخضع في كل الأحوال لتقديرات أجهزة الأمن لإمكانية أن تلفق لمن لا يتعاون معها تلك التهمة.
وللحديث بقية..