إن الدستور، وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه،
فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائبا وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب، باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائى، فإن رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقيق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، شأنها في ذلك شأن الشروط الأخرى التي حددتها المادة 147، ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة استنادا إليها على مجلس الشعب للنظر في إقرارها أو علاج آثارها.
تلك الفقرة من حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 28 لسنة 2 قضائية دستورية بجلسة 4 مايو 1988 والذي انتهت فيه المحكمة إلى الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية، والذي عرف إعلاميا آنذاك باسم (قانون جيهان السادات).
والقانون سالف الذكر صدر في ظل دستور 1971، والذي كان يخول لرئيس الجمهورية –وقتها- سلطة إصدار قرارات بقوانين في حالات الضرورة وفي غيبة مجلس الشعب –فاصدر الرئيس الراحل أنور السادات ذلك القانون مجاملة لزوجته السيدة جيهان السادات في غيبة مجلس الشعب، ثم قام مجلس الشعب بإقرار القانون في أول انعقاد له.
وعندما عرض الأمر على المحكمة الدستورية، قضت بعدم دستوريةهذا القانون نفاذا لأحكام المادة 147 من دستور 1971.
وقالت المحكمة الدستورية العليا في أسباب حكمها:
(إنه، وإن كان لرئيس الجمهورية سلطة التشريع الاستثنائية طبقا للمادة المشار إليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة، وذلك تحت رقابة مجلس الشعب، إلا أن ذلك لا يعني إطلاق هذه السلطة في إصدار قرارات بقوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، والتي سبق أن استظهرتها المحكمة، ومن بينها اشتراط أن يطرأ -في غيبة مجلس الشعب- ظرف من شأنه توفر الحالة الداعية لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية، وهو ما لم تكن له قائمة بالنسبة للقرار بقانون المطعون عليه الأمر الذي يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية).
وحيث إنه – من ناحية أخرى – فإن إقرار مجلس الشعب للقرار المطعون عليه لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذي نشأ عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستوري الذي لازم صدوره، كما أنه ليس من شأن هذا الإقرار في ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور إلى عمل تشريعي جديد يدخل في زمرة القوانين التي يتعين أن يتبع في كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التي حددها الدستور في هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.
وانتهت المحكمة الدستورية العليا إلى أن ذلك القانون قد لحق به العيب الدستوري باكمله وذلك لتخلف سند إصداره.
– هذا وقد أعاد دستور 2014 إدراج ذات المبدأ الدستوري في المادة 156 منه، والتي استلزمت أيضا لإعطاء سطة التشريع لرئيس الجمهورية أن يطرأ في غير دور انعقاد مجلس الشعب أو في غيبته، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير!
إلا أننا بمراجعة ما يقرب من 90% من القرارات بقوانين التي أصدرها السيسي منذ بداية حكمه، وحتى الآن فإنه ومن النظرة الأولى نجد فيها ما رددته المحكمة الدستورية من عيب الإصدار قد لحقها بتمامها.
فالى الرئيس.. قوانينك غير الدستورية، تهدد ما تقول عنه أنه الاستقرار المنشود.