مرحلة الأزمة أم أزمة المرحلة؟ سؤال يجب على الجميع أن يفكر في إجابة محددة علية، واقصد بالجميع هنا كل من يعتبرون أنفسهم ثوار يناير، أو حتى ثوار 25/30.
أزمة المرحلة تعني أنه يمكننا التعايش مع النظام الحالي بكل مفرداته وأدواته الحالية، وأن هناك أزمة تمر بها المرحلة الحالية، تتطلب من الجميع التفكير ووضع الحلول للخروج منها، حتى نستطيع استكمال بناء ما اطلقنا عليه –يوما- مصر المدنية الديمقراطية الحديثة، وهنا يمكن القول إننا نشكل المعارضة بمعناها الواسع التي تتبنى خطة إصلاحية من خلال النظام، وبالتعاون معه، وربما تكون الخطة بشروط صعبة.. أى أننا نثق في كفاءة السلطة الحالية وصدق نواياها، ونتحفظ على بعض أدواتها، أو قراراتها، والتي إن تخلصت منها، أصبحت سلطة الثورة، أو نتاجها الذي كنا نبتغيه.
وهنا لا يمكننا رفع شعارات اسقاط النظام، وإنما تنحصر مطالبنا في التغيير لبعض الأشخاص والسياسات التي نتحفظ عليها وعليهم.
– الحقيقة إن هناك عددا ليس بقليل ممن شاركوا في ثورة يناير، وأيضا 30 يونيو، مازالوا يراهنون على السلطة الحالية، وعلى صدق نواياها في التغيير السياسي والاجتماعي والمؤسسي، حتى إن ظهر البعض منهم بمظهر المعارض، إلا أن العديد من المواقف تثبت أنهم مجموعة من الإصلاحيين الذين يقبلون التعايش مع السلطة الحالية، بشرط تحسين شروط هذا التعايش.
– أما مرحلة الأزمة، فهي التي تعني أن تلك المرحلة من تاريخ مصر، هي أزمة في حد ذاتها، وفي مجملها، وأنه لا يمكن بحال من الأحوال التعايش مع تلك المرحلة، وأن هناك وجوبا لتجاوزها والتخلص منها، بل وربما تمثل تلك المرحلة العائق الأساسي والرئيسي نحو بناء مصر المدنية الديمقراطية الحديثة، وهنا علينا أن ندرك مدى خطورة تلك الرؤية، ومدى جاهزيتنا للتعامل مع ذلك الطرح والثمن الذي يمكن أن ندفعه.
– من جانبي.. ارى أن السلطة الحالية هي الأزمة في ذاتها، وأن في استمرار وجودها في ظل حالة الإخفاقات المستمرة والسريعة على جميع المستويات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية، سيؤدى بالبلاد إلى حافة الهاوية.
– هناك قلة خبرة -إن لم يكن انعداما للخبرة- في إدارة شئون البلاد.. فضلا عن غياب الرؤية، واستغلال فج للآلة الإعلامية، لتضخيم مشروعات لا تستحق كل هذا التضخيم المبالغ فيه، ومحاولات صنع بطولات وهمية وغير منتجة على أرض الواقع.
– السلطة الحالية في تخبط واضح، بل ربما يبدو الأمر أكثر وضوحا في بعض التصريحات التي تعكس حالة من الازدواجية الواضحة في الإدارة، وليس أدل على ذلك من تصريحات السيسي على شاشات التلفاز بالعفو عن الشباب، بل وإقراره بعلمه بأن هناك منهم من تم حبسه ظلما!!! ووعده بالإفراج عنهم خلال أيام! إلا أن نتائج تلك التصريحات كانت صفرية، بما رسخ لدى العديد من المتابعين أن هناك قوى أخرى داخل إدارة الدولة، تقف في مواجهة القوى الأخرى، واعتقد أن هذا الأمر بات واضحا للمهتمين بقراءة المشهد السياسي.
– وحتى الدستور الذي روجت له الدولة، بل وتدخلت في صياغته وتعديله حتى اللحظات الأخيرة، وملأوا الدنيا صراخا بأنه الأعظم وأنه سينقل مصر إلى مرحلة مختلفه، فؤجئنا بانقلاب السلطة عليه -ليس فقط عبر مخالفته على أرض الواقع- بل وصل الأمر إلى حد التصريح –رسميا- بأن هذا الدستور لا يصلح لإدارة شئون الدولة، والقضية هنا ليست قضية تعديل الدستور، فالدستور (أي دستور) يظل حبرا على ورق ما لم تتوافر الإرادة الحقيقية لوضعه موضع التطبيق، وأن تحترمه السلطة وتجعله مرجعا أساسيا ورئيسيا لكل تصرفاتها، بل إن مسألة الدستور –تحديدا- تعكس وتؤكد مدى التخبط الذي تعاني منه المؤسسة الرسمية في مصر، ومدى الضبابية التي تحكم عملها.
– كل هذا وغيره يؤكد أن المرحلة الحالية، هي الأزمة، وأنه لا يمكن للبلاد أن تتقدم أية خطوات إلى الإمام في ظل هذه الحالة بالغة التعقيد، وهو ما يستتبع بالضرورة، تجاوز هذه المرحلة عبر آليات مختلفة، وصولا إلى دولة يكون محورها هو تنمية الإنسان الفرد، وصولا إلى مجتمع العدالة والحرية والرفاهية.
– لكن هذا التغيير –بالتاكيد- لن يتأتى إلا عبر مجموعة من الإجراءات التي يجب أن تسبق هذا التغيير، وذلك حتى يمكننا الخروج من مرحلة الأزمة.
أما عن هذه الإجراءات وسبل الخروج من مرحلة الأزمة، فهذا هو موضوع المقال القادم بإذن الله (ده لو لحقنا طبعا)