طارق العوضي يكتب: إلى العزيزة مصر.. الكائنة في الركن الشمال الشرقي لقارة أفريقيا

\”ولم يجد هذا الشعب من يحنو عليه أو يترفق به\”.. بهذه الجملة، التي تمت صياغتها بحرفية بالغة.. استطاع وزير الدفاع المصري في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ أن يلهب مشاعر المصريين الذين خرجوا في ذلك اليوم في مظاهرات هي الأكبر عددا في تاريخ مصر.. خرجت المظاهرات في ذلك اليوم بأعداد قدرت بالملايين، وكان هذا الخروج متوقعا في ظل حالة الحشد والتعبئة التي شارك فيها الكثير من القوى السياسية والحركات الثورية ومؤسسات الدولة الرسمية، في مواجهة حكم جماعة الإخوان المسلمين ودفاعا عن مدنية الدولة ومحاولة إنقاذ البلاد من الفشل السياسي الذي كان مسيطرا عَلى آداء نظام الإخوان.

خرج وزير الدفاع على تلك الملايين، وهي في أقصي لحظات الغضب والرفض، واستطاع أن يخطف الأضواء من الجميع، حتى من شركائه في تحالف ٣٠ يونيو.

كان الجميع –تقريبا- يعتبر أن خروج وزير الدفاع، يؤكد على انحيازه إلى الجماهير التي خرجت طالبة الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وأن مصر المخطوفة من قبل تنظيم ديني ستعود إليهم.

لم يدرك الكثيرون وقتها، ومنهم شركاء المرحلة، أنهم مجرد أدوات لانتقال مصر من حكم الفاشية الدينية إلى حكم الفاشية العسكرية، حتى إن الكثيرين لم يعربوا عن تخوفاتهم من احتمالية هذا الانتقال، ومدى خطورة  ذلك الانتقال علي  تلك المدنية المزعومة التي طالما نادوا بها ودافعوا عنها وحاربوا من أجلها.

في الحقيقة.. لا اعرف حتى الآن سببا لعدم إصرار الدكتور محمد البرادعي على إلقاء ذلك البيان وبيان ٣ يوليو، بل إنه لم يطلب ذلك..

بالتأكيد كانت الأمور ستكون أفضل لو كان البرادعي قد طلب إلقاء البيان وأصر عليه ولو كان قد طلبها لنالها!

راهن الكثيرون، ممن اسموا أنفسهم -حقا أو باطلا ثوار يناير – على وعود وزير الدفاع المتكررة بأن المؤسسة العسكرية ليست لها ثمة أطماع في حكم مصر، وأن مصر ينتظرها دستور مدني وبرلمان منتخب، وأنه لا عودة إلى ما قبل ٢٥ يناير، ثم بدأت الغيوم تتكشف رويدا رويدا.. مذابح دموية لم تشهد لها البلاد مثيلا منذ مذبحة القلعة.. العسكر يحكم قبضته.. الدولة البوليسية تعود في أبشع صورها.. صناعة الفرعون هي الصناعة الوحيدة التى نجحت مرحلة ما بعد ٣٠ يونيو في انتاجها بمهارة وذكاء، عبر آلة إعلامية ضخمة، خاطبت البسطاء من أبناء مصر، واستطاعت بقدر كبير السيطرة عليهم وتوجيههم نحو تحقيق مصالحها التي ارتبطت بتضخيم غير حقيقى لحالة اسموها الظهير الشعبي.

كل هذا تم وسط حالة من الموات أصابت القوى السياسية في مجملها، وحتى من حاول الافلات من تلك الحالة، كانت الدولة البوليسية له بالمرصاد.. إلى أن وصلت مصر إلى المرحلة الحالية بكل ضبابيتها وعبثيتها.. تشرذمت قوى الثورة في مجملها وسيطرت حالة الخوف على الكتيرين، وأصبح الجميع يعاني من حالة احباط -مبررة بالتأكيد- لكن الاستمرار فيها والاستسلام لها لا يمكن تبريره.

لكن أخطر ما أنتجته مرحلة ما بعد ٣٠ يونيو، هو ذلك التشوه الخطير في الشخصية المصرية واستحالة الوصول إلى تحليل سياسي منطقي لطبيعة المرحلة، وهو الأمر الذي وصل إلى وجود مصر لهم ومصر لنا، ومصر لكم!

اصبح لدينا أكثر من حالة مصرية تسير جنبا إلى جنب، في تضاد واضح للجميع، وهو الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة لا يمكن تداركها.

وإلى اللقاء في المقال القادم (الخروج من أزمة المرحلة أو مرحلة الأزمة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top