صموئيل أنصر ملاك يكتب: تنفيسة

في حديث سياسي تافه جدا مع بائع الجرائد، قلت:
– يوم 25 الجرايد هتييجي؟
– ايوا هتييجي.. متجيش ليه؟؟
-هما مش هيعملوا ثورة!
– ثورة إيه.. هما مش الإخوان مشيوا خلاص؟
– لا.. ثورة على النظام ده
– السيسي؟!! بتحدي واستغراب.
– النظام كله.
– هو كان عملكوا إيه النظام ده؟ بلا تفاهة، خليهم يشوفوا مصالحهم بلا ثورة بلا هم!
– يعني إنت عاجبك اللي بيحصل في البلد ده؟
– مالها البلد؟! ما هي زي الفل أهي.. الكهربا مبتقطعش، والأنابيب مالية البلد، ومش خايف على بناتي من إخوان ولا يحزنون، هما مش كانوا بيقولوا عيش في الثورة الأولانية؟! والعيش مالي البلد أهو.. عايزين إيه تاني من الراجل؟!
– يا حاج، ما هو كانوا بيقولوا حرية وكرامة إنسانية برضه! الفساد والاعتقالات والحرية المكبوته.. عاجبينك برضه؟
– أنا عاجبني الرُز! والزيت والكهربا والأمن، البلد حلوة.. ربنا يحمي السيسي لمصر ولينا.
بغض النظر عن الغباء السياسي الموجود بالحديث، إلا أنه لخص الكثير، أهمه غياب الوعي السياسي، فبالرغم من أصوات المحللين والخبراء السياسين المجلجلة في البيوت من استديوهات ماسبيرو، وبالرغم من أن معظم الشعب له آراء سياسية، لكن الوعي الحقيقي غير موجود، نحن نتحدث في السياسة لا نفهمها!
يوضح أيضا تدني سقف الطموح لدى الكثيرين من الشعب، فبدلا من أن يكون طموح الفرد أن يسافر يلّف العالم، ويرى الحياة والجمال، أو يتعلم رياضة جديدة، اصبح الطموح أن يجد كهرباء وغازا ورزا، اصبح الحق طموحا!
أيا كان ما يحدث في البلد على هامش توافر هذه الموارد، فلا يهمه شئ ولا فساد ولا غيره.. المهم أن يأكل هو وأولاده.
ثم تجد التشوية الواضح واختزال معنى الثورة في أنها وقف حال البلد وقطع عيش الجميع.. تشوية ناتج من تغييب الوعي واجتزاء الحقائق الذي يقدمها الإعلام للناس.
وبالرغم من دعوات البعض لثورة أو امتداد ثالث أو رابع لثورة، إلا أنه لن يحدث شئ.. فبعض المُعترضين على النظام والمعارضين له يرون أنه نظام فاشل وغبي يجرجر أرجلهم ويدفعهم إلى ثورة يستخدمها كشماعة يعلق عليها فشله، والآخرون يرون أنه لا داعي لثورة أصلا، وأكل العيش أهم من الحرية.. يعني إيه كرامة إنسانية صحيح؟!
ثم يجد هؤلاء الذين يريدون أن يخرجوا بثورة ترهيب الحكومة وتكفير الأزهر لهم، وإغلاق الميادين وغيره، لكن يبقى النزول مهم، وإن كان غير فعّال بالدرجة الكافية.. أهي تنفيسة!
كما جاءت على لسان المليجي (محامي) وأحمد زكي (متهم) في رائعة يوسف شاهين (إسكندرية.. ليه؟!)
المتهم: أنا مش لازمني محامي.. أنا اعرف اترافع عن نفسي كويس..
المحامي: قسمتك إني اترافع عنك، عاجبك مش عاجبك هاترافع عنك!
– الله! قولتلك مش محتاج محامي اتفضل.. يا شاويش حنفي.
– إنت يا ابني خايف لاكسب القضية، لا من الناحية دي اطمن، ماتخفش هخسرها! 99٪ هخسرها وهيحكموا عليك وهيكون حكم كبير قوي، وللمرة المليون هيقولوا عليّ محامي حمار، هنعمل إيه قسمتنا كده.. حمار بيدافع عن حمار!
– طب اييييه.. لما أنت عارف إنك هتخسرها.. جاي ليه؟
– تنفيسة.. تنفيسة ليّ ولك، كلمة حلوة نقولها، صحافي يلقط مننا لمحة نضيفة، قاضي تفلت منه كلمة شجاعة.. أهي تنفيسة للكل.. زمن بيرموا فيه البمب على دماغ ناس ملهاش دعوة بالحرب، وعايزني اكسبها؟!
زمن بتتشوي فيه الناس في الأفران علشان لون جلدها أحمر ولا أسمر، وعايزني اكسبها؟!
زمن بيلموا فيه ولاد الناس سن 16 و17 سنة وبيدفنوهم تحت الرمل باسم الحريات الأربعة، وعايزني اكسبها؟!
زمن بيكسبوا فيه فرد واحد 5000 جنية في دقيقة، ويغلوا على التاني أجرة التُرماي، وعايزني اكسبها؟!
كل اللي اتمناه إنهم يخففوا الحكم لو سنة واحدة.
بلد بتتقتل فيها الناس علشان تبع فلان ولا علان، ومش عايز ثورة؟!
بلد حكومتها فاشلة بتضلل الناس وبترعى الفساد، ومش عايز ثورة؟!
بلد بيسجنوا اللي بيفكر ويبدع وسايبين اللي بيكفر، ومش عايز ثورة؟
بلد الشباب فيها بيختفوا من غير ما يتعرفلهم طريق، ومش عايز ثورة؟!
بلد المستشار فيها بياخد بدلات وحوافز تكفي عشر أسر بحالها وناس مش لاقية تاكل، ومش عايز ثورة؟!
مفيش حاجة هتتغير.. الشعب نفسه حابب الوضع \”بيحب بابا\”، بس أهي تنفيسة.. صورة حلوة، صحافي يلقطها.. وزير يخلي عنده دم ويشوف شغله كويس.. إعلامي ضميره يصحى ويبطل تطبيل، ويفهم الناس الحقيقة.. أهي تنفيسة للكل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top