قبل أيام صرح المستشار جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بأن حجم فساد الدولة في العام المنقضي بلغ ستمائة مليار جنيه، ولم يصرح بأي تفاصيل عن هذا الفساد من حيث المسؤولين عنه أوغيره، وبغض النظر عن انتمائاته، فهو المسؤل الآن وكلامة يجب أن يرد عليه، وهذا لم يحدث، بل ظلت الحكومة صامتة إلى أن أصدر الرئيس السيسي قرارا بتشكيل لجنة تقصي حقائق في حديث المستشار، وهذا ما يراه البعض نوعا من عدم السكوت على الفساد وما يتخذه البعض مصدرا للفخر به، ولكن الحقيقة أن الرئيس بذلك القرار يكذب تصريحات جنينة ويهمشه ويشكك في نزاهته.
جنينة شكك في نزاهة الحكومة، فرد عليه السيسي بالتشكيك في نزاهته، وهذا بالضبط ما يحدث في الحارات عندما تسكب \”أم أحمد\” مياها متسخة أمام منزل \”سيّدة التخينة\” كرد على ما فعلته سيّدة عندما عفرت تراب منزلها على غسيل \”أم أحمد\”.
أما عن إسلام البحيري الذي فكر، فلم يقتنع، فخالف القطيع، فبحث، فاكتشف، فتعلم، فتكلم ونشر وناقش ما وصل إليه، فصدم ونبه وآثر، فكُذبت ادعائاته، فمُنع من الظهور، فحكم عليه طبقا للمادة (98) من قانون العقوبات، والظاهر من هذه المادة جميل جدا.. لا أحد يقلل من شأن الاديان، لا أحد يحرض على الفتنة، لا للأفكار المتطرفة، لكنها فضفاضة جدا ومتسعة.. فمن الذي يحدد أن هذا يقلل من الدين أو لا؟ إن ذلك يحرض على الفتنة أم لا؟ هل هذه الفكرة متطرفة أم لا؟ وفي النهاية تسخدم القوانين جميلة المظهر التي تحمل معان أخرى لقتل الأفكار وتكميم العقول والأفواه، و\”كله بالقانون\” كما قالها السادات، فالقوانين تُترجم هوى قُرائها، وطبعا أحكام القضاء لها احترامها دائما، وروح العدالة أيضا مُنتهكة دائما! وبعد هذا كله الرئيس يقف ويؤكد على حرية التعبير وضرورة تجديد الخطاب الديني، أي يمسك يديك ويقول لك اكتب، يقطع لسانك ثم يعطيك ميكروفونا ومنصة لتقول بها رأيك وتعارض، كأنه يقول لك تنبأ أيها الأعمى، وهذا الوضع يذكرك بشيخ الحارة الجليل الذي يعد الجميع بالعدل ثم لا يفعل شيئا عندما يرى علي بن رضا العفراوي يُضرب ويُسب من أبناء الحارة وأمهاتهم.
وبخصوص حق مصر في مياه النيل صرح الرئيس (لن يضيع حقوق مصر) يقصد حقها في المياه، في الوقت ذاته الذي تقوم فيه إثيوبيا بتحويل مجرى النهر استعدادا لبدء تخزين المياه، ودليلا على إتمام مرحلة كبيرة في بناء السد، وهذا ما يذكرك برضا العفراوي نفسه عندما يستيقظ من نومه ليجد ابنه يبكي في دمائه بعد\”علقة سخنة\” من عيال الحارة، فيقول له بكل عظمة وشموخ: \”حقك مش هيضيع هجيبهولك، أنت متعرفش إنك نور عيني ولا إيه؟!\”
وهذا المنهج من \”خناقات الحواري\” الذي تتبعه الحكومة والرئيس والمؤسسات، يدفعك إلى التقزز، ففي حالة \”خناقة\” السيسي وجنينة كان يجب على الرئيس أن يستدعيه ويطلب منه ما يُثبت صحة كلامة، وإذا اتضح أنه مُخطئ يُحاسب، بدلا من أن يخاصمه ويعامله بأسلوب \”واحدة بواحدة\”.. الرؤساء يحاسبون لا يخاصمون.
وبالنسبة لإسلام البحيري، فالرئيس الذي يدعو لتجديد الخطاب الديني، ويحتضن المضطهدين أمثال (نادية مراد) الفتاة الأيزيدية الهاربة من داعش، التي طلبت مقابلته، ولا يفعل شيئا عندما تُصادر الأراء والأفكار، يناقض نفسه دون شك.
أما عن سد النهضة، فعلى الرئيس والمسؤلين التخلص من حالة السكينة تلك، ويفكروا في خطوة جدية لضمان حق مصر فعليا، وبالأخص الوزير\”بتاع الميكروفون\”.
كل هذا يدفعك إلى السؤال: متى سنشعر بتغير حقيقي؟ هل ستظل الأوضاع هكذا؟ كيف سيرى هذا الجيل المعاصر مصر بعد 30 سنة مثلا؟ هل سيتغير الوضع للأفضل؟ أم سنظل نترحم على أيام زمان؟ هل سيلمس المواطن تغيرا حقيقيا يجعله يشعر بالمستقبل والحياة؟
في عام 1966 كتب يوسف إدريس في مسرحية (المهزلة الأرضية) على لسان مجنون وطبيب نفسي:
الدكتور: تقدر تقولي النهاردة إيه؟
المجنون: السبت
– طيب وبكرة؟
– السبت برضه يا دكتور!
– وبعد بكرة؟
– بعده السبت برضه يا دكتور.
– يعني النهارده السبت وبكرة السبت وبعده السبت برضه، أمال الأحد هييجي إمتى؟
المجنون: الأحد هييجي لما نحس إن النهاردة اختلف عن إمبارح، لما نحس إن الدنيا اتقدمت خطوة.. لما عدالة النهاردة تبقى أكتر من عدالة إمبارح، لما ظلم النهارده يبقى أقل من ظلم إمبارح، لما نحس إننا لاقيين مكان في أتوبيس، لما نحاسب الوزير وهو لسه وزير، لما نحس إننا اتقدمنا خطوة هييجي الأحد يا دكتور.
فهل مازالت مصر تنتظر الأحد منذ 60 سنة؟ أم على العكس نحن نتراجع إلى الخلف؟ هل هذا كله جنوني وأنا ابتدعه من خيالي؟! هل سيأتي الأحد أم سأظل لى النهاية مجنون السبت؟!