صراح محمدي تكتب: منصب خلافة الله

إن الله تعالى أعطى للإنسان بعضا من الحريات والمهام التي إن صح وصفها بالإلهية، كالتدبير والتسيير والإدارة والإشراف وغيرها، وذلك بإمكانيات وقدرات محدودة، تتماشى مع الغاية من تواجد الإنسان على الأرض وتؤمن ضمان استمراريته.
لكن مهام الإنسان تعدت أبعد من ذلك، فقد أفسح المجال لنفسه وأعطى لنفسه الحق في أن يحتلّ أدوارًا أكبر وأعمق وأخطر! فشغل منصِب خلافة الله.
شاغلو هذا المنصب يدافعون عن الدين الإسلامي مع جهلهم أو حتى علمهم بأن الدين ليس بحاجة أحد ليدافع عنه، إنما من طبع الفرد منهم أن يثور لأجل مقدّساته والتي يعتبرها غير قابلة للنقاش ولو بالتلميح فيما جاءت به، فبالإضافة لنشأته على دينه بالفطرة، فإنه تبرمج على أن يستسلم بكل ما يملك لتعاليمه، عقلا وروحا وتفكيرًا، مكبّلا بالتبعية للموروث، مقيّدًا بما سمع فقط وقيل له وتربّى عليه، ذلك لأنّه يرى في الدين مجرّد عقيدة يمارس طقوسها يوميا، ويشكل هوية ثقافية عميقة لديه، وأي نقاش في دينه الذي فُطر عليه يعتبر كفرًا ويستحيل الخوض به، ومن يجرؤ على ذلك يقابله بالكره والتكفير، ويسعى جاهدًا لكبت صوته وتقييد حريّته في النّقاش، حتى وإن كان النّقاش حول تصرّف لفئة من المسلمين، وليس نقاشا في الدين بحد ذاته، أو حتى اجتهادًا في فهمه وتأويله بعيدًا عن الموروث.
الدين عندهم يُعتبر الشماعة التي يعلقون عليها كل شيء يخص تفاصيل حياتهم، ومبررات أحداثها، يعلقون عليها فشلهم الذريع بحجة أن الله لم يرَ لهم خيرا في أمرٍ فلم يوفّقهم به، وليصبروا وليحتسبوا ليحصلوا على أفضل من ذلك إضافة للأجر -يكفيهم بأنّهم مسلمون- فتخمد محاولاتهم ويتجمّد سعيهم وتُحبَط عزائمهم ويفقدون الشعور بالمسؤولية شيئا فشيئا، أو يعلّقون عليها نجاحهم بحجّة أنّهم مسلمون ووفقهم الله لأنهم كذلك، يعلّقون على دينهم آمالهم ورفْع معنوياتهم، فيعمون عن معرفة الحقيقة وراء ما يحدث، ولا يتقدمون خطوة للأمام، فإذا ما هوجمت مقدّساتهم أو انتُقِدت أو حتى طُرحت حولها الأسئلة سيبدأون بالدفاع عنها معتمدين على أعنف ما يمكنهم استعماله، شتم ومعايرة وتهجّم على مقدّسات غيرهم وأفكارهم، ومقارنة باقي الديانات بدينهم واحتقارها، وقد يصل ذلك للتعدّي على الذات الإنسانية! دون أن يكونوا ملمّين بما يمكنهم المواجهة به لمناقشة الأفكار بمثلها.
العاملون بهذا المنصب عادة هم من طبقات المجتمع السفلى، سُلب منهم حق الحياة والتمتّع بها، بعد إخفاقهم في الالتحاق بركب الحضارة، فشلهم وانعدام جانب الإنجاز بحيواتهم، ينشغلون بحياة غيرهم، فيحاسبون هذا ويكفّرون ذاك، ويحكمون على من سيدخل الجنة أو النار -كوكلاء- مع أنّه لا يضرهم ولا ينفعهم من كان سواء على حق أو على باطل!
إن العاملين بمنصب خلافة الله لا يتقاضون أجرًا، بقدر ما يدفعون جهدًا ويخسرون كرامة ويشوّهون صورة دينهم، بإعطائه صورة سلبية وسيئة.
فالمشكلة ليست في الدفاع عن الدين، بقدر ما تكمن في طريقة فعل ذلك، فالدفاع رد فعل طبيعي وبديهي ومنطقي لكل غيور على مقدّساته، مهما كانت طريقة الفهم لها، أو زاوية النظر إليها.
والخطر الأكبر أن الدّفاع عن الدين قد يؤدي بالمدافعين عنه لتأييد واختيار نوّاب ناطقين باسمهم وباسم الدين على الصعيد السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top