صافي الهنداوي تكتب: مناجاة

تمر الأيام ببطء قاتل رغم سرعتها. تمر مثقلة بهموم لا يقوى الظهر على حملها دفعة واحدة. تمر وتأخذ معها من العمر ما تأخذ. لتتركنا بشيب يضرب في القلب دروبا.
يقولون إننا ها هنا نحيا أفضل سنوات أعمارنا. أعمارنا التي تمضي دون أن نعيشها. نحياها مثقلين. خائفين. تائهين. نمضي هنا وهناك حول ما يقتل فينا ما تبقى من حلم وحرية.
لا ندري كم سنفقد. ومن سنفتقد. وخلف من سينفطر قلبنا. وإلى من سنطلب الحرية اليوم.
أبلغ من العمر ما أبلغ. ويبلغ جيلي من السنين ما يبلغ. ولكن أعمارنا نعدها بكم من الأحداث مرت علينا. فقد أصبحنا كهولا. أي شباب هذا الذي نحياه ونحن نمضي في طريق مظلم، لن نعرف متى سينتهي ويخرج من عتمته ضي. لكننا نمنّي أنفسنا بأننا سنصل. نسجل أسماء الغائبين. ونرددها حتى نحفظها عن ظهر قلب. ونناجيك بأسماء من تبقى، ونأمل بألا يمسهم سوء فيمسنا ضعفه وننهار.
أقف هنا على حافة الطريق.

أرقب سماءك يا الله. أدقق في ظلمة ليلك وأبدأ في إحصاء نجومك. لا أعرف هل هذا بؤس آخر نحياه؟ فتعلقنا بنجم ساطع ما هو إلا تعلق بمجرد صورة. فقد تعلمنا من قبل أن ما نراه ما هو إلا نجم مُطفأ من آلاف السنين. وما نراه الآن ليس موجودًا. فيصيبني الخوف بأن يكون كل ما أراه واتعلق به وأحبه ليس موجودًا.
لكن لا بأس، سأنظر لنجمي المضئ ونجومه المصاحبين، ليشعوا نورًا في سماء الليل المظلم، فيكفيني لحظات السعادة التي أشعر بها حين أراهم. وإيماني بأنه لكي نرى نجمًا لابد أن يحل ظلام دامس. فربما نحن الآن نجومًا تشع نورًا، حتى لو كنا مجرد صورة أو غير موجودين في نظر البعض ممن حولنا.
مازلت هنا. أحلم وأمضي نحو أمل اعترف بأنني أفقد من قدرته كل يوم وليلة. لكني أجاهد حتى لا أفقده كليا. أمنّي نفسي بأنه مازال هناك متسع من الحلم والحياة.
فقد شبعت مدينتنا من الموت يا الله. شبعت مدينتنا من القهر والعجز والدم والظلم والظلام، وشبعنا نحن من كل ذلك وأكثر.

اتساءل لِمَ يحدث كل هذا؟ على أي ذنب نُعاقب؟ هل اقترفنا خطأ ما حين حلمنا بعيشة كريمة؟ حياة أفضل؟ مستقبل بلا خوف ولا ظلم؟ فنحن لم نطلب أكثر من حياة يا الله.
اغمض عيني أحيانا راغبة في أن أفتحها ثانية وأجد أن كل ذلك كان كابوسًا مزعجًا. وأنه لم يحدث أي مما حدث. أكرر وأكرر ولكن بلا نفع. فما نحياه هو كابوس فعلي وليس بفعل عقل باطن.
فأنا لا أطلب الكثير يا الله.
فقط أن تشع تجاعيد أبي نورًا تحمل بينها حبًا صادقًا منك ومنا. وتهدأ تنهيدة أمي ويسعد قلبها وروحها. وحاجات مقضية ودعوات محققة لأخوتي وصحبتي. وحياة آدمية محبة لأطفال قلبي.
ولنفسي ولهم روح مطمئنة. وقلب ساكن. وظهر يقوى لكل ما هو آت مهما كان. وأيام هادئة لا سبيل فيها لجزع ولا لخوف.
مناجاتي الليلة بها قدر من الأنانية لنفسي ولمن أحب. فلا أريد لهم ضعفا مما يصيب أحبة من رحلوا. أو من نعرفهم. أو من نسمع عنهم كل يوم وليلة دون انقطاع. لا نخشى على أنفسنا بقدر ما نخشى على قلوبهم من العجز أكثر مما هي عليه.
فاللهم يقينًا موصولًا بك.. بنورك وفضلك ورزقك وعدلك الحتمي.
آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top