شيماء عبد العظيم تكتب: من يضرب لي الأرض الآن؟

تبدأ القصة بصوت ارتطام يعقبه صرااخ هستيري \”عااااااااااااااااااااااااا\”

بابا: مالك؟؟ وقعتي؟ طيب بس بس ماتعيطيش خلاص هضربلك الأرض أهو.. ويكيل اللكمات لموقع الهُدر حتى يُشفى غليلي من تلك الأرض اللعينة التي تسببت في سقوطي.. ها، لسه بتوجعك؟ أضربهالك تاني، أهو… وتتوقف سارينة الإسعاف المنطلقة من حلقي فورا.. بالطبع يتكرر المشهد مرارا -عشان أنا حوادثي كتير- كل ما عليك فعله هو استبدال المفعول به وهو الأرض  بـ (باب-كرسي- حوض) أيا كان الجماد المسؤول عن تكدير السلم العام بمنزلنا وتهديد أمننا القومي، فقد كان يُسحل تحت وطأة لكمات أبي، حتى أهدأ وتنصرف نوبة الغضب بسلام.

من يقرأ تلك السطور سيشعر حتما للوهة الأولى بأنني طفلة مدللة أفسدها الدلع، لكن الواقع عكس ما يبدو تماما، فقد حرص والدي دائما على غرس بذور الإستقلالية والإصرار في شخصيتي، عدم قبول أي ظلم يقع علي أو على الغير في المطلق، حسنا لقد نجح في مبتغاه، لكنه أغفل إلتقاطي لفيروس خطير في سبيل ذلك، وها هو يجني ثمار ما زرعه، لقد طورت شخصية شديدة العند، لي رأي ورؤية دائما، لا أطيق الظلم بشتى أنواعه، لا أتقبل أي حدث خارج عن سيطرتي حتى وإن كان ارتطامي برجل السفرة، فما ذنبي في بروز رجل السفرة؟ وبمّ أخطأت لأتعثر بفردة شبشب شاردة تقبع في منتصف الردهة؟ إن لم أقترف خطأ في حق تلك الأشياء -وعلي تحمله- فمن حقي رد \”القفا\” لها لأشفي غليلي، يعني هتعورني هعورك.. هكذا أنهي أي موقف بشكل بسيط ومباشر، بلا تحوير أو هري.

أتذكر أيام المرحلة الإبتدائية، كنت قد تشربت  بقوة شخصية والدي والتي بات يبثها في بثاً، وتمتعت ببنية قوية من رياضة الجمباز التي أفنيت طفولتي في ممارستها، وقد استخدمت كلا القوتين في حل النزاعات مع السادة الزملاء الأطفال بطريقة الـ \”مان تو مان\”، فمن كانت تسول له نفسه الأمارة بالسوء أن يظن بي الضعف لأني فتاة، أو لأني ضئيلة الحجم، كان يتحتم عليه أن ينتظرني في فناء المدرسة ليتذوق ترابه، وكان لهذا فضل كبير في انضمامي، بل وكوني عضوا مهما في فريق الشرطة المدرسية (الشرطة الوحيدة التي وقفت يوما بين صفوفها أو أيدتها).. دائما ما آثرت الوضوح والعملية في حل النزاعات، خاصة وأني أمتلك آليات التغلب على الأزمات متمثلة في وجود هدف واضح، ووجود قوة للتغلب عليه، \”بينجووو\” مفيش مشكلة إذن.

كانت هذه أفضل أيام العمر.. حتى أتاني معلم أقسى كثيرا من والدي، لم أكن أعلم ما يخبئه الزمن لي من دروس.

مرت السنون وتباينت مسببات الألم، لم تعد أهداف واضحة للتعامل، لقد باتت كأطياف قوس قزح، ما بين ماديات ونفسيات، ملموس ومجهول، لم تعد طريقة المواجهة خيارا دائما، بل أصبحت شبه مستحيلة، بت أتساءل يوما بعد يوم، أين أنت يا والدي العزيز من كم الأحداث التي تقهرني وتعكر صفو حياتي؟ ألن تضرب لي الأرض مجددا؟ هل بإمكانك أن تضرب لي قلة الحيلة؟ مرض الأعزاء؟ رحيل الأحباب؟ هل لك أن تكيل لكماتك لكسرة القلب وضياع حلم يوما بعد يوم؟ ألن تمحو ألوان الظلم المبهم التى أتعرض لها ولا أعلم ما اقترفت لأستحقها؟ دائما ما أوجدت حلا كي أكف عن البكاء، ماذا حدث؟ أنا أبكي كثيرا اليوم، ربما جفت الدموع وتلاشى الصوت، لكني على ثقة بأنك تدرك بكائي وإن أخفيته.. لمّ لم تلقني درس الواقعية جيدا عوضا عن تركي للتجربة؟

كم كنت أعشق شفافية الأطفال، حتى بت أشفق عليهم مما ينتظرهم.. إن قدر الله لي يوما رزق الأطفال، فلن أبني لهم يوتوبيا زائفة، لن أدعهم يؤمنون بأن الخير دائما ينتصر، أو أن الأمور تجري كما في الأساطير.. لن أخفي عنهم ضعفنا، قلة حيلتنا، وطبيعتنا البشرية المعقدة، بل سأحرص على تدريبهم على كيفية تقبل كل ما هو خارج عن السيطرة، مبهم، غير منطقي ومؤلم حتى لا يقعوا فريسة زمن قاس لا يرحم براءتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top