شيماء عبد العظيم تكتب: لو أن بغلة "نطت" في مراكب الهجرة لسُئِل عنها عمر

تعالت أصوات طائفة السادة المواطنين الإيجابيين -إن جاز التعبير عن حالتهم بالإيجابية يعني- مؤخرا بأن ضحايا مركب رشيد ما هم إلا خونة للوطن ومجموعة فشلة أرادوا الهروب من فشلهم -مش فشل الدولة حاشا لله طبعا- بكل أنانية وبجاحة، وقد تباينت المبررات ما بين الآتي:

طائفة الدولة مش أبوك وأمك عشان تشيل مسؤوليتك وهمك وهم فشلك وخيبتك التقيلة يا فاشل يا فاشل.

أنت اخترت تغامر عشان مصلحتك الشخصية في حاجة خطيرة -زي اللي بيلعب بانجي جامب- فعليك وحدك تحمل المسؤولية.

ولم يكتف أنصار تلك الطائفة بأن الناس ماتوا، بقولك ماتوا كثمن لتلك المسؤولية، لأ دول كمان عايزين يمنعوا التعاطف مع الكارثة، وممكن البجاحة تخليهم يطلبوا تعويض عن تكدير المزاج الإيجابي لسعادتهم كمان!

وممكن ليه؟! ما هم طلبوا فعلا خلال كتابتي لتلك السطور!

يا أخي حط في عينك حصوة ملح، قصدي اللي ماتوا طبعا، عالم بجحة صحيح!
حضرتك عندك حق، هي الدولة فاضية لشوية الرعاع دول؟! دول أكيد ممولين وانتحروا عشان يهددوا الدولة، وقطعا هم كمواطنين وأرواح مش مسؤولية الدولة، لا تعليمهم ولا توعيتهم عشان مايعملوش الحاجات الوحشة دي ويحرجوا الحكومة، وكمان مش دور الدولة توفر لهم سبل الحياة الكريمة أو حتى أمنيا تجد حلولا لمنع تجار الأرواح دول من ممارسة عملهم، مش دورهم خااالص طبعا!

زي بالظبط ما حضرتك بتدفع دم قلبك ضرايب لتلك الدولة، مش عشان تمهد الطرق اللي بيموت عليها مئات كل يوم إلى أن أصبحنا رقم واحد في حوادث الطرق -ويمكنك التحقق من ذلك- ولا ترفع الزبالة ولا تدعم أو حتى توفر الدوا أو تواجه الغلاء مثلا! لا خالص، إحنا بندفعهم بحب ومش مستنيين من وراهم حاجة، زي الوقف كده.. منحة مننا كشحاتين للحكام، لأن ده طبعا مش دور الدولة!

دور الدولة على ما أفتكر كان في يوم من الأيام تمهيد الطريق لبغلة عشان ماتتعثرش، ولو تعثرت، فالحاكم كان شايف لوحده بدون ضغط أو تكليف أو تفويض شعبي إنها مسؤوليته المباشرة، فلو غرقت البغلة في مراكب هجرة لسُئل عنها عمر.

سمعت حضرتك قبل كدة عن ناس بتنط في المية انتحارا عشان يهربوا من دبي؟ كندا؟ إنجلترا؟ لسه مش واضحة؟!

أكيد طبعا مش عشان فشل دولة ولا العيشة مرة، إنما عشان هم ولاد كلب بالفطرة ومتوفر لهم كل حاجة، بس تقول إيه لقلة الأصل!
الطائفة التانية كانوا أشد إيجابية، ودول بقى أنا حبيتهم بشكل شخصي، مبدئيا بعد الشتيمة في اللي ماتوا واللي متعاطف مع أرواحهم واللي يتشددلهم، بدأوا يدعوا الله إن كل الأشكال اللي عايزة تمشي تلاقي وسيلة تغور في داهية وتريحهم من قرفهم وسلبيتهم، قد إيه أنت إنسان جميل ومتسامح!

بعدها لقيت أفكار إيجابية بناءة بتتعرض كبدائل لتعليق الفشل على شماعة الدولة.. ماعرفش الناس دي مشاركتناش نجاحها قبل كده ليه؟! يمكن كانوا أنقذوا عشرين تلاتين روح من الأرواح اللي مالهاش لازمة دول، بس دي حاجة شخصية هم حرين فيها، والحسد مذكور في القرآن!

الحقيقة المشروعات فعلا عجبتني، وأنا والله مشجعاها جدا، بل ونفسي كمان أشارك فيها، عادي جدا إني أحب أكون إيجابية من غير ما أكون مطبلاتية، دي نقرة ودي نقرة.

المشروعات الصغيرة -إن صدقت- ففكرتها هايلة، بس مالهاش أي علاقة خالص بتقصير الدولة الواضح في دورها -اللي مش عارفين هو إيه الحقيقة من وجهة نظركم حيث إن كل بلوة تقولوا مش دور الدولة- بالإضافة لإن المشروعات دي تتطلب قدرا من التعليم والتفتح والقدرة على البحث والإستيعاب، مش متوفرة لدى أغلب -إن لم يكن جميع- من يتجه لفكرة الهجرة غير الشرعية، يعني أنا شخصيا وأنا تعليمي الحمد لله لا بأس به وبحاول أكون مثقفة ومثلي الكثيرين، لم نكن نعلم بتلك الفرص \”الذهبية\”، ولسه محتاجين نفهم ونقرأ عشان نقيمها ونستوعبها، وإذا كانت الظروف ملائمة للتنفيذ أم لا، فما بالك بفئة ربما لم تتح لها فرصة التعليم أصلا! فضلا عن إن الحياة طاحناهم ومفيش أي توعية!

ممكن حضرتك تتهمني أنا بالتقصير في البحث عن فرص، وهوافقك، لكن مش الفئة اللي بتهاجر بالشكل ده، ولا اللي الفئة اللي بتاكل من الزبالة، وأكيد شفت دول كمان، ولا اللي بتقف في طابور لمؤاخذة تكشف عشان لبن مدعم أبدا.

إن حضرتك تقول على مئات الأرواح اليائسة اللي عارفة إن غالبا مصيرها طعام للسمك، بس هانت عليهم أنفسهم وديارهم وأحباؤهم في سبيل حياة أفضل، \”وهنا لازم تسأل نفسك إزاي قدروا يتفاءلوا بالمجهول عن الواقع إذا كان الواقع في نظرك واعدا\”، وتطلق عليهم فشلة محبطين، والمتعاطفين مع ظروفهم شوية مولولين سلبيين؟!

دي بجاحة تحسد عليها، مش لازم عشان تكون إيجابي، تكون جبلة معدوم الإنسانية، عادي إنك تقدر تشوف تقصير الدولة، وتعذر ظروف ناس ممكن في يوم تكون مكانهم، وأنت لسة إيجابي وبتشتغل وتنتج.

وأنا بشتغل وبنتج برضه ومعجبة بالمشروعات التنموية دي، لكن عندي دم.. على خلافك!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top