اعتدنا كأسرة متابعة بعض البرامج الكوميدية التى بدأت على الإنترنت ثم انتقلت إلى التلفزيون، ففي داخلنا جزء مقتنع أن معظمهم أبناء الحراك وحرية التعبير، حتى إن كانت التجربة بسيطة أو لغرض الضحك فقط، لكن دائما نتوقع منهم تقديم المختلف عن الرجعي السائد في الإعلام.
لذا نُصدم دائما بسبب ارتفاع سقف توقعاتنا، ولكن في الحقيقة، فاض الكيل من الصورة الدونية التي يقدمها الإعلام عن (المرأة) تحت راية الكوميديا، من آراء وتقييمات مستفزة.
فقد شاهدت الآن إحدى حلقات برنامج \”بلاتوه\”، لـ أحمد أمين على قناة \”النهار\”.. يعني مثلا في إحدى مشاهد الحلقة يبين أمين الخواء في دماغ المرأة الذي يملأه فقط الجزم الملونة والتناقضات!
ومشهد آخر عن ذاكرة المرأة القوية في تذكر التفاصيل السطحية، يليه مشهد عن قدراتها الخارقة في تدبير أمور المنزل، وآخر عن حياتها بطولها التي لا يملأها سوى الرجل والأخريات والقيل والقال، وكيف ستظل لغزا محيرا يشغل الرجل في أوقات فراغه.
كلها مشاهد جعلت ابنتى التي لم تكمل الخمس سنوات تتساءل: هي ليه في دماغها جزمة يا ماما؟! هو ليه البنات بس اللي بتحب اللون الـ\”بينك\”؟! هي ليه بتعيط؟! هو الستات أغبياء يا ماما؟! ثم تطور الأمر إلى: اسكت يا تلفزيون يا غبي أنت.
هل اقول لابنتي \”ريتا\” إن المجتمع الذي تنتمين إليه إما أنه يحتقرك كامرأة، أو أنه يتعامل معك كمخلوق عجيب لونه بمبي مرصع بالترتر، أو هي كائن ضعيف خلقه الله لإثراء حياة الرجل بالساسبينس والأكشن والمتعة والمكرونة بالباشميل!
في الحقيقة وقعت في حيرة شديدة، واخترت -حتى لا أصدمها، وأيضا لا أحرمها الاكتشاف- أن احكي لها عن قلعة كبيرة يحكمها مخلوقات تحمل حقائب سامسونيت، سكانها من الرجال والنساء، لا يعلمون أن حقوقهم مسلوبة، وجميعهم مقموعين، وأصحاب الحقائب يستخدمونهم كالعبيد في صمت.
وفي يوم قرروا -النساء والرجال- أن يتحدثو لبعضهم البعض.
في البدء كانت المودة، ثم الخوف.. بدأ الرجال الشعور بالخوف، لم يدركوا كيف تنزف النساء كل شهر ولا تموت، ومع ذلك تعمل وتفكر وتوجه شريكها الرجل.. لم يدركوا كيف تهب النساء الحيوات وتعمل على حمايتها، وتزرع هي وشريكها الرجل ليأكلا، وتطبب عند المرض، وتطلب الحطب من شريكها الرجل، فيبنيان معا مأوى، ويشعلون النار للتدفئة كأننا في البداية الأولى -حينها لم يكن النوع البيولجي تهمة ووصمة عار، بل تساوى الكل في الأدوار الاحتماعية باختلافاتها.. الجميع يعمل في الصباح والجميع يرتاح في الليل، ولكن أصحاب الحقائب يريدون استمرار العمل ليل نهار، ولا يريدون للعبيد أن يتحدثوا مع بعضهم البعض، حتى لا يكتشفوا أنهم عبيد، فاستدعى أصحاب الحقائب الرجال وأقنعوهم أن النساء بذكائهم وحيلتهم يخططون للسيطرة على القلعة، فهن ساحرات وملعونات، وأنتم تملكون العضلات والسواعد، فعليكم قمعهن حتى لا يجرأن على التمرد، وقد كان، وتوارثت هذه الفكرة أجيال العبيد المتعاقبة حتى الآن، حيث الحلقة (الكوميدية!) التي شاهدناها!