معظم الشعب المصري عنده قناعة غريبة بأن الحكومة هي أمه ورئيس الجمهورية أبوه, وأن مهما عملوا من بلاوي، عيب أوي إنك تطلع الأسرار دي برة وتنشر الغسيل الوسخ قدام العالم وتفضحهم!
أنا حقيقي مش عارف الفكرة دي ظهرت إمتى، ومين اللي زرعها في عقل الشعب المصري.. الإحساس بالأبوية نحو الحاكم والتستر على جرائمه مهما كانت، لأن إحنا عائلة ومش عايزين فضايح، دي فكرة غير طبيعية، وتتنافى أصلا مع أصول الحكم والدستور والقانون.
الدستور فيه نصوص واضحة وصريحة عن محاكمة رئيس الجمهورية واتهامه اتهامات زي المادة 159.
بقى سهل جدا أن يتم اتهامك بالخيانة والعمالة لمجرد أنك ناشط قلت رأيك ضد الحكومة أو أنك منظمة حقوقية بتعمل تقرير بترصد فيه انتهاك من الدولة.. إزاي وإزاي تفضحنا قدام الأمم المتحدة وتقول إن مصر فيها وفيها.. اللي الناس ما تعرفوش بقى هو إن ده هو طبيعة شغل المنظمات الحقوقية طبقا للقانون الدولي اللي مصر وقعت وصدقت عليه بكامل قواها العقلية.. المرجعية القانونية موجودة في شغل المجتمع المدني، وكونك أنت عندك شعور أبوي نحو النظام، ده مش معناه إن المنظمات الحقوقية جاحدة وبتعق بالوالدين لا سمح الله.. ده شغلها المتوصف في القانون، بس حضرتك ما تعرفش.
المؤلم أكتر إن الفكر ده مش موجود عند الناس العادية بس اللي ثقافتها محدودة.. لا نفس الفكر موجود على مستوى ناس المفروض إنها متعلمة وفاهمة وعارفة القانون الدولي كويس!
حصلت معايا واقعة لن أنساها في 2008، كنت بامثل المجتمع المدني في اجتماع الأمم المتحدة في نيويورك حول الحد من انتشار الأسلحة الصغيرة. وتشاء الأقدار إني القي بخطبه عصماء أمام ممثلي دول العالم, وطبعا أنا ما اتوصيتش وجبت كل البلاوي اللي في مصر اللي ليها علاقة بانتشار السلاح وانتشار الجريمة المترتبة عليه.
المهم.. أول ما خلصت الكلمة، قام الوفد المصري طلب الكلمة وأنكر كل الكلام اللي أنا قلته تماما!
أنا ما فهمتش طبعا.. يعني إزاي ينكروا حوادث ذكرتها؟! زي قتل المطربة ذكرى والاعتداء على الأديرة واستخدام الشرطة للقوة المفرطة.. يعني دي حاجات ما ينفعش تنكرها!
المهم.. طبعا القاعة أتكهربت، والناس فهمت إن فيه مشكلة كبيرة في كلامي. وبعد ما خلصت الكلمة، جم ممثلين لمنظمات دولية يتطمنوا إن أنا مش حايتقبض عليا، وأنا راجع في المطار، وسألوني لو أنا محتاج اعمل قضية لجوء! قلت لهم: لا لا.. مافيش مشكلة خالص، وأنا اعرف اتعامل معاهم.
أول ما خرجت من القاعة.. لقيت الوفد المصري المكون من ست دواليب، واقف في وشي وعلى وجوههم ابتسامة صفراء! أنا بكل براءة سألتهم: \”خير يا جماعة؟!\”
قام الكبير بتاعهم قال: \”أنت إيه اللي عملته جوة ده؟!\”
أنا: \”هو أنا قلت حاجة غلط لا سمح الله؟!\”
رد: \”لا.. بس ماينفعش تقول كده في الأمم المتحدة.. مصر سمعتها محترمة جدا دوليا، وأنت خليت الناس يفتكروها \”شيكاغو\”
أنا: \”!!!!!!\”.
انصرف الكبير بتاعهم، واستلمني واحد من الوفد.. أقرع وعريض \”المنكعين\”، وأخدني على جنب وقرر أنه يزيدني من الحكمة التي اكتسبها على مر السنين, وقال: \”تعرف يا شريف وأنا طفل صغير, مرة جالنا ضيوف وفي وسط ما هما قاعدين، أنا قلت إن عندنا فار في البيت.. أمي ضربتي وهزأتني قدامهم, وبعد ما مشيوا أمي قعدت تصالحني وتقولي: أنا ما ضربتكش عشان أنت قلت إن فيه فار في البيت.. أنا ضربتك عشان قلت كده قدام الضيوف! ما ينفعش ننشر غسيلنا الوسخ قدام العالم يا شريف.. فاهم؟!\”
ودي عقلية واحد في الدبلوماسية المصرية بيمثل مصر في الأمم المتحدة.. جاي يطلع عقد الطفولة على دين أمي!
بس برضه الحق يقال إنه تم تعليق التعامل بنظرية الغسيل الوسخ أثناء حكم الأخوان، وأصبح الشعب كله \”نوشاتاء\” ومنظمات، ومافيش أحب على قلبهم أكتر من إنهم يفضحوا النظام ويشردو لأمه!
ويبدو على ما يبدو أنه وقت ما كان النشطاء والمنظمات بيقوموا بعملهم الطبيعي ذي المرجعية القانونية في رصد انتهاكات النظام, واللي هو حيعملوه مع أي نظام مهما كان, كان الشعب بيلبس قبعة المنظمات الحقوقية فقط لرفضه نوع معين من القمع, لكن ما عندوش مشكلة إن حد تاني يقمعه عادي طالما على هواه وبيحس معاه بالمشاعر الأبوية! يعني نقدر نقول أن شعب كان بيعتبر مرسي جوز أمه مش أبوه!
أيها الشعب المصري العزيز.. أمامك طريقين.. الأول هو أن تستمر في المشاعر الأبوية دي وتتستر على كل بلاوي النظام مهما كانت، حتى لو كانت لدرجة إنك شفت أمك… قصدي الحكومة وهي بتسرق أو استغفر الله العظيم بتـتــنا…..زل عن كرامتها، وتشحت من دول الخليج، أو تشوفها وهي بتقتل وتحبس شباب كل ذنبه انه بيطالب بعيشة محترمة.
طبعا الطريق ده لن يؤدي إلا إلى أن الوضع يتدهور أكتر وأكتر والمشكلة الصغيرة تبقى مصيبة، والحكومة تتمادى في طغيانها، والشعب يزداد فقرا وتعاسة.
الطريق الثاني هو أن تتخلص أنت من روح الأبوبة والأمومة اللذين تشعر بهما ناحية النظام، وتفهم إن دي ناس موظفين في مناصب، والمفروض إنهم بيخدموك كمواطن ويحققوا لك عيشة محترمة، وأن أنت من حقك – طبقا للقانون – إنك تديهم بستين جزمة لو فشلوا في تحقيق ده، وتجيب حد أحسن منهم يحقق لك اللي أنت عايزه.
الحل الوحيد للغسيل الوسخ هو إنك تغسله كويس وتنشره، ولك الأجر والثواب.