البلد دي فيها ظلم كتير أوي, بس أوحش أنواع الظلم إنك تكون عايز تساعد الناس وينتهي بيك الأمر إنك تدفع تمن ده من حريتك، لا وكمان تتشتم وتتخون من الناس اللي إنت عايز تساعدهم.. أصعب إحساس بقى هو وإنت محبوس عشان الناس ومحدش بيسأل فيك، وبتوصل لمرحلة إنك تستسلم للواقع المرير ده.. بس تفتكر إحساسك بقى إيه لو أنت عارف إن برة السجن فيه حد مش ناسيك وممكن يقلب الدنيا لحد ما أنت تشوف النور تاني.
المحبوسين ظلم كتير أوي في بلدنا, أكتر مما أنتوا تتخيلوا بكتير, وفيه ناس كتير من النشطاء دايما بيفكرونا بالمحبوسين المجهولين اللي مش من مشاهير النشطاء اللي الدنيا بتتقلب عليهم، والأمم المتحدة والدول العظمى بتطلع بيانات تطالب بالإفراج عنهم.. بس اللي أكتشفناه إنك مش لازم تكون مشهور، ولا ليك تاريخ كبير في الحركة الحقوقية عشان يحصل ضغط ويفرجوا عنك, كل المطلوب هو إن يكون عندك أخ زي تيتو.
محمود كان عنده 18 سنة لما لبس تيشيرت عليه جملة \”وطن بلا تعذيب\”، واتقبض عليه في يوم 25 يناير 2014.. محمود اتوجهت له تهم زي التظاهر وإثارة الشغب، واتحول للمحكمة في شهرين، وفضلت المحكمة تأجل جلسة في جلسة لمدة سنتين.. محمود مش ناشط معروف.. محمود كان طفل لما اتقبض عليه ظلم، عشان كان بيحلم بوطن بلا تعذيب.. محمود كان عايز يكبر من غير خوف، لكنه دفع تمن ده من حريته.. محمود كان ممكن يكون اسم من آلاف الأسامي المحبوسة ظلم، واللي محدش يعرف عنها حاجة، وكان ممكن يقضي باقي عمره في السجن زي ناس كتير أوي في السجن دلوقت.. بس محمود كان عنده تيتو.
طارق تيتو هو أخو محمود الكبير, هو مش أكبر منه أوي يعني.. تيتو من أول لحظة أتقبض فيها على محمود، ولمدة سنتين، قرر إنه مفيش دقيقة في حياته غير لما يعمل فيها حاجة عشان أخوه يطلع من السجن.. تيتو كان بينقل تفاصيل حياة وأخبار محمود جوة السجن لحظة بلحظة.
من تيتو عرفنا إن محمود جاله مرض في رجله، وما كانوش بيعالجوه كويس.. مع كلام تيتو كبرنا يوم بعد يوم مع محمود, وبسبب تيتو محمود ما بقاش أخو تيتو الصغير بس, لا ده بقى أخونا الصغير كلنا.. أنا شخصيا ما قابلتش محمود ولا مرة في حياتي, بس مع كل خبر كان تيتو بيقوله، أنا كنت بحس إن أخويا أنا اللي بيحصله كده. بسبب تيتو, محمود بقى ليه أصدقاء مراسلة كتير من جوة السجن، بيبعتلهم جوابات ورسومات.. بسبب تيتو, محمود دخل السجن عنده أخ واحد وطلع منه عنده مئات الأخوة والأخوات.
من أول يوم تيتو ما سكتش، وماقبلش حقيقة إن أخوه محبوس ظلم.. تيتو ما سابش اسم في مصر ممكن يتواصل معاه عشان يعرفه بقضية محمود غير ما أتواصل معاه.. نشطاء وأدباء ومنظمات وفنانين وكله.. ما سابش.
تيتو ما سابش منظمة محلية ودولية غير لما وصلها قضية محمود لحد ما قضية محمود بقت على أجندة منظمات كتير زي منظمة العفو الدولية وغيرها. تيتو نظم فاعليات كتير عشان يعرف الناس بقضية محمود, زي ما عمل مثلا يوم تدوين لما محمود في عيد ميلاده العشرين وما زهقش من الزن على كل النشطاء والشخصات واحد واحد عشان نفكر الناس بقضيته وكمان لما محمود كمل سنتين في السجن.
تيتو كمان قام بدور ساعي البريد بين محمود ونشطاء كتير، وناس حبت محمود من غير ما يقابلوه, حبوه من كلام تيتو عنه, وبقى تيتو يجيب جوابات ورسومات من محمود ليهم، وياخد منهم جوابات له.. تيتو كان عارف كمان أد إيه الجوابات دي بتفرح محمود، مش بس النشطاء, فعشان كده كان شغال طول الوقت يوصل لمحمود جوابات من الناس اللي بيحبوه، واللي عمرهم ما قابلوه.
في تعليق للناشطة منى سيف بتشكر تيتو وبتقول: \”شكرا إنك خليته دايما متابع اللي بيحصلنا برة, مش بس بشكل عام، لكن حتى على المستوى الشخصي, فبقت جواباته ونس لينا في لحظات سعادة واحتفالات، وفي لحظات حزن، وبقينا حاسين إنه صاحبنا بجد، رغم إن عمرنا ما اتقابلنا\”.
الكلام ده مش بس إحساس منى.. ده إحساس كتير مننا من اللي وصلتلهم قضية محمود من تيتو.
طبعا مش حننسى اللي استحمله تيتو من تعب ووقت من غير كلل أو ملل.. تيتو كمان استحمل كلام جارح كتير، مش بس من الناس اللي كانت مصدقة إن محمود مجرم ومعاه مولوتوف، وأتهموه بكل اتهامات الخيانة والشغب وتدمير الدولة, لا تيتو كمان استحمل كلام من ناس حواليه.. كلام من عينة إنك عايز تتشهر على حس حبس أخوك، وكلام من ده.
بس تيتو ما هموش، وفضل يحارب وهو عنده أمل عجيب رهيب، في بلد ما بقاش فيها مكان للأمل خالص، وخصوصا فيما يتعلق بالحبس الظلم، وأي حد يقول كلمة حق أو يدافع عن مظلوم.
تيتو ما هموش كلام اللي حواليه، اللي قعدوا يقولوا له: إنت مهما عملت مش حيطلع, أو إنت كل اللي بتعمله ده مش كفاية إنه يخرج واحد من السجن في بلدنا دي, بس برضه تيتو ما هموش.
لو مظلوم وعايز حقك، مش مطلوب منك واسطة ولا رشوة.. مش مطلوب منك شبكة علاقات ولا شهرة محلية ودولية وواصل لأعلى المستويات, مش مطلوب تكون من النشطاء المعروفين والشلل ودواير المشاهير, كل المطلوب منك إن يكون عندك أخ بيحبك زي ما تيتو بيحب محمود.