قبل ما ابتدي ألبّخ في الكلام عايز أقول لمحمد سلطان: مبروك يا ابني الإفراج/الترحيل، وسيبك من الناس اللي حتزايد على وطنيتك والكلام اللي مالوش لازمة ده، وهما معظمهم مقدمين على الهجرة، أو بيحلموا بالهجرة ومش طايلين ريحيتها.
موضوع الإفراج عن (أو ترحيل) محمد سلطان، ذكرني بموقف مشابه في 2011 عندما قررت الحكومة المصرية بقيادة الوزيرة فايزة ابو النجا إنهم يقضوا على المنظمات الأجنبية في مصر اعتقادا منهم أنهم جواسيس وعملاء إلخ…
وبعد أن تم القبض على بعض الأجانب في القضية ومحاكمتهم، قام المجلس العسكري بترحيلهم، خصوصا الأمريكان، وكأنه لم يكن هناك قضية!
هذا الموقف الغريب الذي تضع الدولة نفسها فيه عندما تقرر القبض على أشخاص في الأغلب ارتكبوا جريمة موجودة فقط في عقل مسؤول ما في الحكومة يعاني من وسواس وهلاوس.
ولأن النظام الحالي قرر أنه أذكى من حكم المجلس العسكري, مع أنهم مايتخيروش عن بعض, قرر إنه يصدر قانون غريب جدا للتعامل مع مثل هذه المواقف، ولأن البلد بلدهم ومفيش برلمان ومفيش حد حيحاسبهم، قرروا إنهم يصدروا قانون يجيز لرئيس الجمهورية الموافقة على تسليم المتهمين ونقل المحكوم عليهم من غير المصريين إلى دولهم، لمحاكمتهم أو تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، متى اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك. كما صرح بعض المسئولين في الحكومة بأنه:
\”جاء في القرار الجمهوري أن القانون صدر في إطار إعلاء مصلحة الوطن، والحفاظ على الصورة الدولية لمصر، وبما يتناسب مع الإطار الحقوقي اللائق الذي تؤسس له الدولة المصرية، أخذا في الاعتبار أن قضاء هؤلاء المحكوم عليهم لبعض أو كل العقوبة داخل دولهم ييسر من عملية إدماجهم الاجتماعي بعد قضاء عقوباتهم.\”
شوف يا محترم, تصريح الحكومة حول هذا القانون يحتوي على كم مهول من الإفتكاسات والاشتغالات العجيبة.. أول نقطة قال إن هذا القانون غرضه إعلاء مصلحة الوطن.. أين إعلاء مصلحة الوطن في تسليم جواسيس (بحسب وجهة نظر النظام يعني) لبلد في الأغلب لا حيتحاكموا فيها ولا حيتحبسوا ولا أي حاجة؟! القانون بيقول إنهم حيتحاكموا وستنفذ فيهم العقوبة، وده ما بيحصلش طبعا، لأن لا بيتر جريست محبوس، ولا محمد فهمي ولا محمد سلطان.. يعني من الآخر الحتة دي اشتغالة موت.. مفيش حد بيتحبس بعد ما يترحل بره.
تاني نقطة.. قال لك الحفاظ على صورة مصر الدولية! لا ما تشغلش بالك بالحتة دي خالص، لأن كل العالم عارف إن الأجانب في مصر بيتقبض عليهم ويتبهدلوا وبتيجي الحكومة بتاعتهم تنفخ الحكومة المصرية لحد ما يسيبوهم، فمفيش أي فائدة من ادعاء إن القانون ده بيحافظ على صورة مصر، لأن الصورة – فعليا- مشوهة.
ثالث نقطة، وهي الأفقع على الإطلاق, بيقول لك القانون يتناسب مع الإطار الحقوقي اللائق، الذي تؤسس له الدولة المصرية.
يا شيخ قول كلام غير كده! إطار حقوقي إيه بس؟! ده إحنا دافنينه سوا.
القضية من الأول أصلا هي انتهاك لحقوق كثيرة موجودة في القانون المصري والدولي, فماتجيش تقولي إنك حتفرج عن المتهمين وترجعهم بلدهم عشان حقوق إنسانيتهم، وأنت أصلا شاخخ على حقوقهم لما قبضت عليهم.
ونرجع نقول: الدول الأجنبية مش مستنية أصلا من الحكومة المصرية أي مؤشرات على احترام حقوق الإنسان في قضية حد من رعاياهم اتبهدل فيها فعلا.
رابع نقطة بقى لما يحاولوا يفهموك إن النظام المصري مؤمن بأن العقوبة غرضها الإصلاح والإدماج الاجتماعي، على بابا يا للا؟؟!!
ده إحنا عندنا ما شاء الله القضاء هنا تحس إن له تار بايت شخصي مع المجرم وعايز ينكل به بأي شكل, وطبعا مش محتاجين نتكلم عن إن المحاكم المصرية دخلت موسوعة جينيس في عدد أحكام الإعدام, فما تقوليش بقى الكلام بتاع إعادة الإدماج الاجتماعي، إلا إذا الخطة بتاعة الحكومة هي إنها عايزة تقتل الشعب كله، فالإعدام حيساعد على دمج المجرمين الميتين مع المواطنين الميتين.. جايز!
خامسا.. كلمني أكتر بقى عن استقلال القضاء, لما رئيس الجمهورية يبقى ليه السلطة إنه يرحل متهم لسه بيتحاكم مثلا ولم يصدر في حقه حكم نهائي أو بات.. يعني أبسط قواعد استقلال القضاء ضرب بها عرض الحائط، بل وتعتبر استخفاف بفكرة التقاضي أصلا وفائدة وجود قضاء ومحاكم طالما رئيس الجمهورية بجرة قلم ممكن يصدر قانون يطيح بالعملية القضائية تماما.
طبعا مش عايزين نفكر حضراتكم إن القانون ده يتعارض مع الدستور المصري، خصوصا المادة 155 اللي بتقول: \”لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها، ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يُقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب.\”
يعني رئيس الجمهورية من حقه بس الإعفاء عن العقوبة.. يعني في حالة إن العملية القضائية تمت تماما بكل درجاتها، وتم تطبيق القانون فيها بالكامل, يحق لرئيس الجمهورية الإعفاء عن العقوبة, وابقى اتكى كويس أوي على كلمة \”عقوبة\” دي.. يعني ما بيعفيش عن المجرم المدان، ولا بيتدخل في العملية القضائية، لكن فقط له الحق في الإعفاء عن العقوبة, وده طبعا لم يتحقق في القانون الجديد الذي يسمح لرئيس الجمهورية التدخل في أي مرحلة من المحاكمة وترحيل المتهم!
آخر نقطة بقى.. اللي غايظاني وفاقعهم لي على الآخر، لما تشوف واحد من مؤيدي النظام، وهو زعلان إن واحد من المتهمين اللي هما بيكرهوهم هرب, متجاهلا تماما حتة إن الرئيس اللي هو بيأيده لعب بالقانون والدستور عشان يطلع بالافتكاسة دي.. اللي سمحت بهروب المتهم.
طبعا مهما تحاول تفهمه إن النظام الحالي بيعك، وأي كلام في السخان وإن القانون ده أتسلق مخصوص عشان يراضوا بيه الدول الغربية اللي ليها متهمين واتقبض عليهم في الزحمة، والنظام مزنوق مش عارف يتصرف معاهم إزاي قدام الدول الكبيرة اللي بتتخانق وتحارب وتعافر عشان تنقذ أي واحد بيحمل باسبورها حتى لو كان مجرم, بينما إحنا هنا بنساوم ابن البلد على حريته يا يسكت.. يا يتحبس.. يا يترحل!
محمد سلطان أولا هو لم يرتكب جريمة أصلا عشان يحاكم, وحتى لو أرتكب جريمة، كان دور القضاء اللي المفروض يكون نزيها إنه يبت في ده, إنما اللي بيحصل في مصر ده بصراحة اسمه عك قانوني.