إنها الذكرى الرابعة لمذبحة ماسبيرو.. استطيع أن ادعي أن يوم 9 أكتوبر 2011 هو من أسود وأتعس أيام حياتي على الإطلاق, وذلك لعدة أسباب.. ليس فقط لأني رأيت أصدقاء وزملاء عمل يموتون, ليس فقط لأن مشهد المشرحة سيظل في ذاكرتي إلى الأبد, لكن أيضا لأن في هذا اليوم ظهرت الحقيقة المرة بعد أن كان الأمل يسري في عروقنا بعد ثورة يناير.. في هذا اليوم أدركنا الكارثة, حياة البشر رخيصة جدا عند النظام الحاكم. فهم مستعدون أن يقتلوا أي عدد من البشر، فقط.. لتحقيق هدف بسيط أو تافه أو حتى بدون هدف أصلا, فقط لأنهم يستطيعون القتل بدون محاسبة.
في هذا اليوم أيضا، ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث، يتورط الجيش المصري الوطني في مذبحة لمواطنين.. لا يوجد أي وصف أو تبرير لما حدث في هذا اليوم من الجيش المصري.. لمن خدموا في الجيش وكانوا يكنون للجيش مكانة خاصة وفصلوه عن باقي أجهزة الدولة، تلقوا في هذا اليوم, مثلي, أكبر صدمة في حياتهم. ربما يعتقد البعض أن هذه سذاجة منا, وأن النظام سوف يبطش بالكل مستخدما كل أذرعته و منها الجيش، لكن عندما ترى بعينيك المشهد وتعيش الأحداث, تعلم أن هناك شيء ما انكسر إلى الأبد.
طالما ظن المسيحيون في مصر أنهم أكثر فئة مضطهدة في البلد، وعاشوا مئات الأعوام على هذا المعتقد وبرروا به كل فشل وكل موقف ضعف، وعندما حدثت مذبحة ماسبيرو، كان رد الفعل من أغلبية المسيحيين مخزيا, بما فيهم قيادات الكنيسة.. ارتضوا موقف الضعف على حساب دماء الشباب، وقرروا الخضوع والخنوع أكثر.. معلنين الانكسار، بل وتمادوا في التملق للنظام وقيادات الجيش أكثر، فكان بدلا من أن يهبوا مطالبين بحق دماء شهداء ماسبيرو, قاموا بدعوة قيادات الجيش لقداس العيد، وكأن من ماتوا لا ثمن لهم.
وللأسف، لم تنته المأساة عن هذا الحد، عندما قرر نفس النظام البطش بفئة أخرى من المجتمع، وقتل المئات منهم في مذبحة أخرى، وهي مذبحة رابعة, ما كان من أغلبية الفئة المضطهدة الأولى –المسيحيين- إلا التهليل والتطبيل والفرح في قتل المئات من فئة أخرى، على يد نفس القاتل الذي قتل المسيحيين في ماسبيرو!
الغريب والعجيب، هو أنك عندما تواجه هؤلاء المسيحيون الذين هللوا لمذبحة رابعة, يكون الرد منهم، هو أن رابعة كانت اعتصاما مسلحا! متناسيين تماما أن هذا الادعاء، هو بالضبط ما قاله التلفزيون المصري عن المتظاهرين في ماسبيرو، بل ودعا المواطنين الشرفاء للدفاع عن جنود جيشهم ضد المسيحيين الخونة أعداء الوطن!
كيف لم يلحظ الأقباط التشابه الرهيب في الواقعتين؟! اتذكر أنني في يوم بعد مذبحة ماسبيرو ذهب لقناة \”النايل تي في\” في أحد البرامج السياسية, وعندما بدأت في الحديث عن ماسبيرو، هاجت المذيعة في وصرخت وقالت: \”أنتوا قتلتوا جنودنا، وإن يوم ماسبيرو فيه 200 جندي جيش ماتوا على يد المسيحيين، وأن جثثهم كانت منتشرة داخل مبنى التلفزيون\”! طبعا.. أنا لا أعلم من أين جاءت المذيعة بهذا المشهد الكابوسي، لكن الكل يعلم أنه لم يحدث.
ما حدث في ماسبيرو هو بالضبط ما حدث في رابعة.. النظام الحاكم قرر التخلص من فئة معينة من الشعب باستخدام العنف وتجنيد الإعلام للتعتيم أو للتحريض، لكي يتم استخدامه في تبرير العنف.. النظام عنده الإخوان والمسيحيين وأي فئة، كلهم سواء، وما أسهل التضحية بهم إذا لزم الأمر.
لا توجد محاكمة للجاني، ولا المواطن له ثمن أو ديّة.
كل فريق يظن أن الأمن والأمان والاستقرار سيتحققون إذا قام النظام الباطش بالقضاء على الفريق الآخر, غير مدركين أنهم وبكل سهولة ممكن أن يصبحوا هم \”الفريق الآخر\” في أي لحظة بحسب هوى النظام.
يجب أن نتعلم الدرس من المواقف التي عشناها.. التهليل للظلم نتيجته ستكون هي زيادة هذا الظلم حتى يصلك أنت شخصيا.. السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار هو أن تقف ضد الظلم.. الظلم الموجه لغيرك قبل الظلم الموجه لك.
قف ضد الظلم حتى لا تتكرر ماسبيرو, حتى لا تتكرر رابعة, حتى تصبح مصر بلدا نستطيع أن نعيش فيه, لا أن نموت فيه.