شريف عازر يكتب: لماذا يجب أن نعارض عقوبة الإعدام؟ (2)

في المقال السابق شرحت بعض الأسباب لماذا يجب أن نعارض عقوبة الإعدام، واليوم نتمم الحديث حول نفس الموضوع من الناحية القانونية والدينية.

هناك توجه عالمي بدأ منذ عدة سنوات يهدف للحد من عقوبة الإعدام والعمل على تقليل الجرائم المعاقبة بالإعدام في القوانين المحلية، كما أن هناك توجه أيضا بتعليق العمل بالعقوبة مع بقائها في القوانين، والأمر الذي لاقي إقبالا من عديد من الدول ومنها دول عربية مثل المغرب.

ويشير تطور القانون الدولي إلى اتجاهه نحو إلغاء عقوبة الإعدام، فمثلا نظام روما بمحكمة الجنايات الدولية وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بإنشاء محكمتي الجنايات الدوليتين لقضايا يوغوسلافيا السابقة ورواندا، لم تورد عقوبة الإعدام ضمن قائمة العقوبات، رغم خطورة القضايا المعروضة على هذه المحاكم، وقد تم اعتماد وثائق دولية وإقليمية تختص بإلغاء عقوبة الإعدام: البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يهدف لإلغاء عقوبة الإعدام، والبروتوكول الملحق بالاتفاقية الأمريكية بشأن حقوق الإنسان المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام (منظمة الولايات الأمريكية)، والبروتوكول 6 والبروتوكول 13 الجديد الملحقان بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان (المجلس الأوروبي).

أما عن الخطوط التوجيهية لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه باقي الدول فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، والتي تم اعتمادها من قبل الاتحاد في التاسع والعشرين من يونيو 1998، فهي تؤكد على أن أحد أهداف الاتحاد الأوروبي هو \”العمل من أجل إلغاء عقوبة الإعدام على مستوى العالم، وهو موقف أقرته جميع الدول الأعضاء\”، وبالإضافة إلى ذلك فإن أهداف الإتحاد الأوروبي، في ما يتعلق بالبلد التي مازالت تطبق عقوبة الإعدام، تدور حول الدعوة إلى الحد من اللجوء إليها تدريجيا والإصرار على أن يتم تطبيقها وفقا لحد أدنى من المعايير)…(. وأخيرا فإن الميثاق الأوروبي للحقوق السياسية ينص أيضا على أنه \”لن يتعرض أحد لحكم الإعدام أو لتنفيذ العقوبة.\” وعلى المستوى الدولي، فحتى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينص بوضوح على أن في عقوبة الإعدام خرق للحق في الحياة، ويحيطها بمجموعة محددة من الضمانات، كما أن التعليق العام الذي تم اعتماده من قبل اللجنة القائمة بتأويل العهد يبين بوضوح أن المادة 6 منه والمتعلقة بالحق في الحياة \”تشير إلى إلغاء العقوبة بشكل عام)، ويجب اعتبار أي خطوة لإلغاء العقوبة كتقدم في مجال التمتع بالحق في الحياة.

ومن جهة أخرى، فقد دعا مجلس الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي، في قراره رقم 1745 الصادر بتاريخ 16 مايو1973، الأمين العام بأن يقدم له كل خمس سنوات تقريرا تحليليا دوريا محدثا حول عقوبة الإعدام. وفي قراره رقم 57/ 1995 الصادر بتاريخ 28 فبراير 1995، أوصى المجلس بأن تغطي تقارير الأمين العام الخمسية أيضا تطبيق المعايير التي تضمن حماية حقوق الأشخاص المعرضين لعقوبة الإعدام.

وتدعو مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان كل عام الدول التي لا تزال تطبق العقوبة إلى \”إيقاف تنفيذ الإعدام بغية إلغاء عقوبة الإعدام إلغاء كاملا في المستقبل\”.

وفي الثامن من ديسمبر 1977، اعتمدت الجمعية العامة الأمم المتحدة أيضا قرارا حول عقوبة الإعدام ينص على أن\”الهدف الرئيسي في مجال عقوبة الإعدام هو تقليص عدد الجرائم التي يمكن الحكم بالإعدام على مرتكبها تدريجيا، مع توفر الرغبة في إلغائها.\”

تطبيق الشريعة وعقوبة الإعدام:

المادة 2 من الدستور المصري تنص على \”الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع\”، لكن يبدو أن هناك علاقة غريبة فيما يتعلق بتنفيذ الشريعة الإسلامية في القانون المصري, فمثلا في القانون المصري لا يطبق أي حد من حدود الشريعة, ومع ذلك يصر القانون المصري على إحالة أوراق المحكوم عليه بالإعدام لمفتي الديار المصرية!

في لقاء شخصي مع المفتي السابق رحمه الله الشيخ طنطاوي, وبالرغم من أنه مؤيد لعقوبة الإعدام، إلا أنه لفت نظرنا لجزئية في الشريعة لا تطبق في إجراءات الإعدام في مصر, ألا وهي الدية، فبالرغم من أن المتدينين يرفضون إلغاء عقوبة الإعدام لكونها جزء من الشريعة الإسلامية، وهو القصاص، وإقامتها هي من إقامة شرع الله, لكن في نفس الوقت هناك اختيارا آخر يجب أن يجد قبولا لدى الأغلبية المتدينة في مصر، مما يتيح إلغاء عقوبة الإعدام، وفي نفس الوقت عدم الإخلال بتطبيق شرع الله.

ودون الدخول في تفاصيل الدية وأنواعها، وبحسب نوع الجريمة سواء \”دية نفس\” أو دية \”ما دون نفس\”، واختلاف قيمة الدية، والتي في الأغلب كانت تقوم على تقديم الحيوانات بحسب قيمتها لأهل القتيل، فمثلا إذا قررت عائلة القتيل العفو عن القصاص وقبول الدية, ففي حالة القتل العمد، تكون الدية مائة من الإبل، وطبعا لصعوبة تحقيق هذا حاليا, فربما يكون الحل هو إعطاء عائلة القتيل اختيار، إما التصميم على القصاص، أو القبول بالدية، والتي تقدر بما يتوافق مع العصر الحديث مما يقابله من قيمة مالية، لكن هذا لا يحدث في مصر لسبب لا أعلمه، وهو أمر قد يقلل من عقوبة الإعدام بشكل كبير دون مخالفة المعتقد الديني لأغلبية الشعب المصري.

مما سبق نرى أن هناك عدة أسباب لإلغاء عقوبة الإعدام.. استمرار بعض الأنظمة في استخدامها هو في الأغلب يدل على ضعف هذه الأنظمة واستخدامهم للقسوة والقمع للسيطرة على الدولة, وهو ما أثبت التاريخ أنه لا يستمر طويلا، وأيضا المبالغة في استخدام عقوبة الإعدام، وإن دل فيدل على أن الجو العام للدولة بعيد تماما عن الديمقراطية الحقيقية وعلامة على تدني الملف الحقوقي للدولة.

لذلك.. أطالب الدولة المصرية والقائمين عليها وعلى التشريع فيها, النظر بعين الاعتبار للبدائل المتاحة من أجل تقليص استخدام عقوبة الإعدام مما قد يدفعهم لإلغاءها نهائيا والاستعاضة عنها بالبدائل القانونية والشرعية الأخرى، والتي تحفظ كرامة الإنسان، حتى ولو كان محكوما عليه، وتعطيه فرصة جديدة لربما ظهرت براءته أو تحول لمواطن صالح.

(بعض أجزاء هذا المقال مأخوذة من تقرير الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان حول حكم الإعدام في مصر الصادر في 2006 والذي شاركت في كتابته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top