شريف عازر يكتب: عن انهيار مفهوم الوطنية

يبدو أن النظام الحاكم في مصر لا يدرك نتيجة ما يفعله من التلاعب بمفهوم الوطنية.

إن بعض ما نراه حاليا يحدث في مصر كنوع من إظهار الوطنية، لو كان حدث في ظروف أخرى وتحت نظام حاكم آخر، لكان تم اعتباره خيانة عظمى.

عندما يتحول التنازل عن قطعة أرض من الوطن إلى عمل وطني يتطلب الاحتفال من العامة، لدرجة أنهم يبذلون أقصى جهدهم لإثبات أن الأرض لا تنتمي لمصر، لمجرد رفضهم لفكرة أن النظام ممكن أن يبيع أو يتنازل عن الأرض, فإننا أمام حالة نادرة جدا، ربما لم تحدث في التاريخ القديم والحديث.

عندما ترى رأس النظام وهو يبتز الشعب عاطفيا بكلمة \”تحيا مصر\”, والتي هي من المفروض تعبير عن حب الوطن, حتى أفقدها ترديدها بشكل أتوماتيكي أجوف قيمتها ومعناها، وأصبحت تمثل شعارا ديكتاتوريا على غرار \”هاي هتلر\” مطالب من الجموع ترديده بدون تفكير، وإلا تصبح خائنا.

عندما تتحول الأغاني الوطنية إلى دعاية للنظام الديكتاتوري العسكري, مهما كانت كلمات الأغنية تحمل من معان, لكنها تتحول على يد النظام الديكتاتوري إلى بروباجاندا رخيصة لنظام يحاول أن يسوق نفسه، ويتحول الرفض للرقص على أنغام هذه الأغاني إلى عمل عدائي يثير الشكوك حول انتمائك، وربما اتهامك بالخيانة أيضا.

عندما يدفع النظام الشعب للوصول لمرحلة الاحتفال بالتنازل عن الأرض، بل وأيضا رفع أعلام الدولة المتنازل لها, في الوقت الذي يتم اعتقال وضرب كل من يرفض التنازل عن هذه الأرض ومعاملته على أنه هو الخائن, فإن مثل هذا الموقف يجعلنا فعلا في حيرة من أمرنا.. إنه موقف غير معتاد، لم يشهد التاريخ مثله، وربما حتى الآن لم نفق من هول الصدمة، ولكن ما رأيناه كان شاذا عن الطبيعي بكل المقاييس.

في بعض المقابلات التي تمت مع مؤيدي التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، المحتفلين في الشارع بعضهم قالها بكل وضوح إنه مؤيد للتنازل، وهو سعيد بهذا، ومقتنع أن هذا في مصلحة الوطن، والموافقة عليه هو عمل وطني, بينما من يدافع عن الأرض فهو خائن يريد تدمير الوطن.

شخص مثلي خدم في القوات المسلحة المصرية في سلاح حرس الحدود، وكنت مسؤولا عن توزيع تسليح الوحدات العسكرية في سيناء, فإن رؤية قطعة أرض كنت يوما أتعامل معها على أنها أرض مصرية تتحول إلى تبعية دولة أخرى دون حرب أو مقاومة، لهو إحساس مرير لا يوصف، ولكن الأكثر ألما هي التهم التي توجه لي بالخيانة لمجرد أنني أرفض قرار التنازل! فكيف لشخص مثلي كان من المحتمل أن يموت دفاعا عن قطعة الأرض هذه أن يتهم بالخيانة لرفضه التنازل عنها من شخص ما لم يؤد خدمته العسكرية أصلا؟! فأصبحت أنا الذي دافع عن الأرض بروحه، ويرفض التنازل، خائنا! بينما من لا يعنيه الأمر هو مثال للوطنية؟!

يبدو أن النظام لا يدرك فجاعة ما يفعله وما يدفع الشعب للوصول إليه, ولكنه بالتأكيد يأخذنا إلى منحدر خطير، تضيع فيه تماما معايير مفهوم الوطنية لمجرد تبريره لسياساته الخاطئة، ولكن عندما يتلاعب النظام مع هذا الخط الفاصل بين الوطنية والخيانة، فإنه بهذا الشكل يدمر أساسات الوطن وما يقوم عليه, ليصبح هذا الوطن هشا ضعيفا قائما على مجموعة من الانتهازيين أو المنافقين أو مدعي الوطنية, بينما يقبع الوطنيون الحق في غياهب السجون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top