شريف عازر يكتب: ثمن اللامبالاة

معظم الشعب المصري بيعاني من حاجة اسمها \”عدم الاكتراث\” أو\”اللامبالاة\”. معظمنا شايف الظلم بيحصل كل يوم بجميع الأشكال، بس ما بتكلفش نفسك إنك تتكلم عنه، لأن ببساطة أنت حاسس إنه بعيد عنك ومش فارق معاك الناس اللي بتتظلم، طالما أنت مش طرف أو أي حد قريب منك أو من نفس انتمائك.

بتشوف شباب كل يوم بيتحبس ظلم، وبتقنع نفسك إن حبسهم ده في مصلحة البلد، وعشان تريح ضميرك، بتقنع نفسك برضه إنهم أكيد عملوا حاجة غلط، أنت مستحيل تعملها، فعمرك ما حتكون مكانهم.

بتحاول تلاقي لنفسك تبرير لكل قضية ظلم بتسمع عنها، وتحاول تثبت إنهم \”يستاهلوا\”.. بتشوف ناس بتتعذب وتتضرب وتتهان كل يوم، بس ما بتفرقش معاك، طالما الناس دي ما تخصكش.. ما تعرفش حد منهم.. ما بتنتميش لأي مجموعة أو طايفة هما منها.. مافيش حاجة تربطك بيهم.

بتبدأ تحس بالظلم أول ما يقرب منك، من عائلتك، من طائفتك.

وقتها.. بتتحول اللامبالاة بتاعتك دي لثورة جامحة، بتبتدي تتكلم عن الحقوق والحريات اللي أنت نفسك لسه من كام يوم شاتمها وسابب لها ميت دين، وبتعتبر إنها سبب تعاستك.

بتبتدي تحس بقيمة العدالة والقانون وأهمية تطبيقه.. بتبتدي ترفض أي حلول وسط فيها تنازل عن الحق، مع إن أنت نفسك قبلها كنت مبسوط بانتهاك حقوق ناس كتير، بس الفرق هو إنهم مش فارقين معاك، وأنت لا تنتمي لهم، ومش شايف أي رابط بينكم.

الموضوع ده بيظهر بقوة في الحوادث الطائفية في مصر، ولأن مصر مافيهاش موضوع العرق أو القبيلة أو أي حاجة ممكن تتحول لعصبية، فيفضل عندنا بس موضوع الدين وعصبيته، فتلاقي الشخص، وخصوصا المنتمي لدين الأقلية -واللي بطبيعة الحال مضطهدة- صعب جدا إنه ياخد موقف من أي واقعة ظلم حاصلة مع حد مش من طايفته، بل كمان ده ممكن يفرح لو الظلم وقع على حد من طايفة هو بيكن لها كراهية أو عداوة! فتلاقي المنتمي للأقلية متبلد المشاعر، في الوقت اللي معدل الظلم في البلد وصل لمستوى رهيب، وأي حد شايف إنه حيطول الكل، بس هو عنده استعداد إنه يقبل الظلم، بل ويؤيده، طالما واقع مع الآخر المختلف.

ساعات بتجيلي حاجة زي الصدمة.. في ناس كانت إمبارح بتهلل لإجراءات قمعية بيمارسها النظام، وواضح فيها جدا غياب العدالة والقانون.. واضح لأي حد حتى ماعندوش أي خلفية قانونية، وتلاقي القناعة وصلت لكلام من نوعية \”الشعب المصري مايجيش غير بالضرب على دماغه\”، و\”قانون إيه وبتاع إيه.. الناس لازم تتربى\”، إلى آخره من الكلام ده، اللي بيضرب في صميم أي فكرة أو مبدأ لهم علاقة بالعدالة والحق. وتاني يوم تلاقي نفس الشخص بيصرخ من الظلم اللي وقع عليه أو على حد من طائفته أو دينه، وبيستنجد بالقانون والحقوق، وبيطالب بتطبيق العدالة على الكل، ومحاسبة كل المسؤولين! طب إزاي وبأنهي عين بتطلب ده؟

هو ليه صعب تفهم إن القانون والحقوق اللي أنت اتنازلت عنهم إمبارح عشان الأمر ماكانش يخصك أنت شخصيا، دلوقت بتدفع تمن تنازلك عنهم؟!

لما أنت تفتح باب عمارتك للعصابة ومقتنع إنهم طالما حيسرقوا كل شقق العمارة ماعدا شقتك، وإن أنت مالكش علاقة بالشقق دى، طب ما حيجيي يوم والضرر حيوصل لشقتك أنت كمان.

إمتى حنتعلم الدرس؟! السبيل الوحيد إنك تاخد حقك، وخصوصا لو كنت أقلية، هو إنك تدافع عن حق الكل بدون تمييز، وخصوصا اللي أنت مختلف معاهم فكريا وعقائديا.

كل مرة أنت بتقبل تشوف الظلم اللي واقع على غيرك وتسكت، اعرف إن الظلم قرب منك خطوة.. كل مرة تتنازل عن حق أو قانون عشان الأمر لا يعنيك أو لأنه واقع على حد غيرك، اعرف إنك إنت اللي حيكون الدور عليك.

عايز تحمي نفسك وحقك، يبقى دافع عن المبدأ.. دافع عن حق غيرك.. دافع عن حق الناس اللي أنت مختلف معاهم.. دافع عن كل الناس بدون تمييز.. ما تستناش لما الظلم ييجي لحد من طايفتك.. ما تستناش لحد ما حقك أنت اللي يتاخد.. دافع عن الناس في الشارع، في السجون، في المحاكم، في الأرياف، في المسجد، في الكنيسة، في المعبد.

دافع عن الحق في كل لحظة.. في كل لمحة ظلم تشوفها قدامك.. دافع عن حق الست لو أنت راجل، دافع عن حق المريض لو أنت بصحتك، دافع عن حق المسيحي لو أنت مسلم، دافع عن حق المسلم لو أنت مسيحي، دافع عن حق الكافر لو أنت متدين، دافع عن حق الفقير لو أنت غني، دافع عن حق الضعيف لو أنت قوي، دافع عن حق الزملكاوي لو أنت أهلاوي، دافع عن حق الثوار لو أنت سيساوي، دافع عن أي حد مش أنت، دافع عن أي حد مش شبهك.. ساعتها بس أنت وهو حتاخدوا حقكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top