شريف عازر يكتب: المعارضة أصلا حرام

تعودت كل أسبوع أن يكون هناك \”خناقة\” على الفيسبوك بموضوع يا إما متعلق بالسياسة أو الدين.. خناقة هذا الأسبوع كانت استكمالا لمسلسل بدأ منذ فترة، ألا وهو استنكار وجود معارضة سياسية في مصر أصلا, أو في أفضل الأحوال تخوينها وفرض أنهم إخوان.. يبدو أن هذا التوجه يسير على مستويين, مستوى النظام الحاكم والمستوى الشعبي.

على مستوى النظام الحاكم, قرر النظام التنكيل بكل ما يعتبر صوت معارض في مصر, بدأ بالتنكيل ببعض الأحزاب السياسية التي سولت لها نفسها أن تنظم مظاهرات, فكان الرد عليها بالخرطوش الخفيف \”القاتل\”, مرورا بالنشطاء الحقوقيين والسياسيين، وبعضهم يدفع ثمن أن النظام يريد أن يثبت أنه يستطيع تطبيق قانون غير شرعي وغير دستوري مثل قانون التظاهر، وصولا إلى التنكيل بالمنظمات الحقوقية وادعاء أن لها أجندة أجنبية وتلفيق أي تهم ممكن تتظبط عليهم، بالرغم من أن هذه المنظمات تعمل في نطاق القانون الدولي ومرجعية ثابتة ومتاحة للكل ويمكنكم الإطلاع عليها في حالة تشككم في آليات عمل هذه المنظمات.

طبعا دوافع النظام مفهومة في محاربته للمعارضة, وهي دوافع طبيعية جدا في أي نظام بيحاول يرسخ قواعده الدكتاتورية واعتقاده أن أي نوع من أنواع المعارضة هو خطر على كينونته ويجب التخلص منه فورا.

أما المستوى الثاني, وهو في رأيي الأصعب, فهو المستوى الشعبي.. هناك رفض شعبي لكل ما هو معارض للنظام الحالي, وأنا أرجح أن هذا الرفض نابع من مصدرين.. المصدر الأول هو الناس التي تخشى عودة حكم الإخوان المسلمين وعندهم هذه الفوبيا، إن لو الإخوان رجعوا مش حنعرف نمشيهم, بالرغم من إنهم شافوا مرسي وهما جايبينه في شوال.. المصدر الثاني هو الناس التي أصيبت بحالة عصبية مزمنة منذ ثورة يناير لإحساسها بعدم الاستقرار والخوف من المجهول، فوصلت بيها الفوبيا لمرحلة الرفض الهسيتيري لأي نوع من أنواع المعارضة، والتي قد تهدد النظام الحالي الذي يرون فيه الحامي والضمان الأبدي من عدم حدوث عدم الاستقرار وطيش الشباب اللي كان حاصل.

للأسف هذا الرفض الشعبي للمعارضة موجود حتى في أشخاص مفترض فيهم العلم والثقافة, إذ يبدو أن الخوف المرضي أقوى بكثير من العقلانية النابعة عن ثقافة وإطلاع ودراية، فللأسف هذا الأسبوع سمعت كلام من أحد أساتذتي والذي اعتبره من أكثر الأشخاص المثقفين الذين قابلتهم في حياتي, سمعت منه بعض التعليقات التي اخترقت قلبي وأصابتني بالاكتئاب.. بعض هذه التعليقات مثلا تنم عن الخوف المرضي وتبرير للدخول في حرب في اليمن بأن الحوثيين خطر كبير على كل المنطقة العربية وسوف يتسببوا في دمارنا جميعا!

وطبعا قيل هذا الكلام في إطار فخيم من تعظيم وتمجيد حنكة وحكمة وحصافة وبداهة الزعيم المفدى أبو عيون جريئة، وعندما قرر البعض وأنا منهم إعلان أنهم معارضين للنظام عادي يعني, كان هناك من يقابله بالرفض والاستنكار والامتعاض من نوعية: \”إحنا ما عندناش معارضة في مصر أصلا\” و\”المعارضة ما هي إلا أقلية منسحقة لا تمثل الشعب المصري\”.

الظريف هو أن جملة مثل هذه تصدر من شخص مثقف متجاهلين تماما حقيقة أن الطبيعي هو أن تكون المعارضة أقلية, وإلا مكانتش بقى اسمها معارضة!

طبعا لا ننكر دور الإعلام في تأجيج هذا الخوف المرضي بحسب هوى النظام, والحشد في اتجاه معين لتشكيل الرأي العام وشيطنة جهات معينة لتبرير أفعال النظام.. يعني مثلا لما حد مثقف يوصل لمرحلة إنه يبرر دخول مصر في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل لأنه خايف إن الحوثيين \”يدمرونا جميعا\”، ده أكد مالوش تفسير عقلاني غير إن هناك من قام بشيطنة الحوثيين وتحويلهم لوحش مخيف رهيب، جعل الشعب المصري لا ينام ليلا خوفا من الدمار على يد الحوثيين.

المحزن هو أننا وصلنا لهذا المستوى من الرفض الكامل لفكرة أن هناك معارضين يعيشون بيننا، وأن هذه ظاهرة صحية في مجتمع المفترض أنه بيسعى لأن يكون ديموقراطيا.

عندما تنظر للدول الديمقراطية التي من المفترض أننا نسعى لأن نكون مثلها, فتجدهم يدمجون المعارضة في النظام السياسي, وخاصة لو كان هذا النظام برلمانيا, فتجد الحزب الحاكم يتناقش مع المعارضة في كل الأمور وتشاهد ناسا يمارسون السياسة بكل حرفية، لأنهم يدركون تماما أهمية وجود عنصر المعارضة في استمرار النظام الديموقراطي السليم, والذي بدوره يضمن استقرار النظام.. هذا الاستقرار المبني على التوازن بين الحزب الحاكم والمعارضة, والإدراك أنه في حالة غياب المعارضة ينهار النظام.

هذا الدرس كان يجب أن نتعلمه من ثورة يناير, لكن يبدو أن الذاكرة قصيرة. النظام الضعيف هو فقط من يخشى من المعارضة ويسعى لتدميرها.. النظام القوى الذي أمامه عمر مديد من الاستقرار، هو النظام الذي يتكامل مع المعارضين له ويحتويهم.

عندما يبدأ النظام في تدمير المعارضة، فهو يوقّع شهادة وفاته بيده، ويعلن عن ضعفه وعجزه أمام الجميع, ووقتها يظهر كل ما هو متطرف وخبيث لينهش في النظام الضعيف الذي يخشى مظاهرة من 10 أشخاص أو تويتة أو مؤتمر, فيكون سلاحه هو التخوين والاتهامات بالعمالة أو التنكيل العلني بالقتل والحبس والمنع.

لازم تفهم إن الحل الوحيد لنجاح الدولة واستمرارها هو نظام محترم نضيف يؤسس لدولة ديمقراطية حقيقية مبنية على احترام القانون والحقوق والعدالة.. أي درجة ظلم بتقلل عمر النظام وبتهدد استقرار الدولة.

بالبلدي.. عايز استقرار؟ بتحب النظام الحالي وعايزه يستمر؟ مفيش غير حل واحد.. إنك تطلب من النظام ده يكون ديموقراطي حقيقي, ويعترف بالمعارضة الحقيقية، ويرحب بيهم ويدمجهم في صنع القرار ومايخافش منهم ولا يقضي عليهم. أما أنت بقى كمواطن مؤيد للنظام وقلبك عليه أوي.. لازم تفهم إن فيه معارضين ليهم حق في التعبير عن رأيهم.. مصر مابقتش جنة وكل يوم فيه بلاوي كتير بتحصل فيها وقرارات غلط, يبقى لازم تفهم إن فيه ناس طبيعي ما تكونش مبسوطة وهما لا عملاء ولا خونة.. الناس دي بتحب مصر زيها زيك، وعايزينها أحسن, وشايفين إن عشان الوضع يتحسن لازم نواجه المشاكل وانتهاكات النظام بدل ما نغطي عليها و نبرر لها.

الطريق الوحيد للمستقبل في مصر ولدولة مستقرة، هو تأسيس دولة ديموقراطية حقيقية.. علمانية مبنية على سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات والعدالة الاجتماعية.. غير كده يبقى بنضيّع وقت البلد والشعب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top