شريف عازر يكتب: أسيوط مدينة الذئب.. مهد أكبر فتنة في تاريخ المسيحية

 

سيصدم البعض وخاصة الأسايطة من بعض الحقائق التي سأذكرها في هذا المقال، وذلك ببساطة لأنه بالرغم من أنهم عاشوا في أسيوط طوال عمرهم كما عاش فيها آباؤهم وأجدادهم، لكنهم لم يسمعوا قط عن هذه الفصول الخفية من تاريخ مدينتهم.. في الأغلب لأن لا الدولة ولا الكنيسة القبطية لهم مصلحة في إظهار مثل هذه المعلومات.

قبل أن أحكي عن الدور الذي لعبته أسيوط في أحداث أكبر فتنة عرفتها المسيحية، والتي انتهت بعقد أول مجمع مسكوني (عالمي), أود أن أعطي خلفية عن الاسم الإغريقي لمدينة أسيوط وهو \”لايكوبوليس\” أو مدينة الذئب.

لاكوبوليس هو الاسم الذي عرفت به أسيوط في العصر الإغريقي والروماني من بعده وحتى فتح العرب لمصر، والذين بدأوا في استخدام أسيوط، وهو اسم مشتق من الاسم الفرعوني للمدينة \”ساوات\”، والتي تعني حارس الحدود باللغة المصرية القديمة.

أطلق الإغريق اسم لايكوبوليس أو مدينة الذئب على أسيوط، لأن في أسيوط نشأت و تمركزت عبادة إله اسمه ويبواويت، وكان يتمثل في شكل الذئب، وكان إلها للحرب والصيد، وكان يعتبر إله متآخي مع أنوبيس إله التحنيط عند القدماء المصريين.

أما عن قصة أسيوط والفتنة التي أدت إلى أكبر مجمع للكنائس بأمر من الإمبراطور قسطنطين عام 325 ميلاديا، بدأت حوالي عام 301 أثناء فترة حكم دقلديانوس الإمبراطور الروماني والذي عرفت فترة حكمة على مصر بعصر الشهداء من كثرة اضطهاده للمسيحيين واستشهاد العديد منهم. حدث أن الآلاف من المسيحيين قرروا الارتداد عن المسيحية اتقاءا لشر الإمبراطور وخوفا من القتل، لكن بعد مرور فترة الشدة، قرروا العودة للمسيحية.

قررت وقتها كنيسة الإسكندرية, والتي كانت تعتبر المشرفة على كل أبرشيات مصر (تقسيم داخلي لبر مصر حيث يجلس أسقف على كل أبراشية), قررت أن تعفو عن المرتدين وتقبل عودتهم وتمنحهم طقس الشركة (تناول الخبز والنبيذ رمزا لدم المسيح وجسده). في نفس الوقت كانت أبراشية أسيوط في صعيد مصر لا تقل قوة عن كرسي الإسكندرية، حيث جلس على كرسي أسيوط الأسقف ملاتيوس الأسيوطي (في بعض الأحيان تكتب مليتيس).

كان ملاتيوس يتمتع بقوة ونفوذ وعدد كبير من الأتباع, وأعلن أنه ضد سياسة كنيسة الإسكندرية في التسامح مع من رفضوا أو خافوا أن يصبحوا شهداء المسيح وقرر منعهم من التناول في أبراشيته وأيضا امتد الموضوع لبعض الأبراشيات التي أنضمت لملاتيوس وطبقت نفس التحريم.

اعتبرت كنيسة الإسكندرية ملاتيوس \”منشقا\”, وهو تصنيف يختلف بعض الشئ عن \”المهرطق\” والذي كان أريوس مثالا له, والذي سوف نتحدث عنه لاحقا.

أطلق ملاتيوس على كنيسته المنشقة اسم \”كنيسة الشهداء\” تكريما للذين استشهدوا في اسم المسيحية، ولم يخافوا مثل المرتدين الذين يرفضهم ملاتيوس في كنيسته. وبسبب هذا الانشقاق اشتدت العداوة بين ملاتيوس وبين بطرك الإسكندرية والذي كان وقتها البابا بطرس خاتم الشهداء. فما كان من البابا بطرس إلا أنه دعا إلى مجمع عام ليصدر أوامر بشلح الأسقف ملاتيوس. وفي عريضة الشلح كانت أسباب الشلح مغايرة للواقع, حيث ذكرت العريضة أن السبب هو أن ملاتيوس نفسه لفظ الأيمان الاورثوذكسي وخضع للأوثان تحت ضغط دقلديانوس. ومثل هذه الادعاءات ثبت عدم صحتها بعد ذلك وبشهادة العديد من الأساقفة الكبار وقتها مثل الأسقف إبيفانوس أسقف قبرص حيث قال:\” ملاتيوس كان اورثوذكسي الإيمان ولم يحد يوما عن قانون الكنيسة ولو للحظة.. نعم هو أحدث انشقاقا، لكنه لم يحرف الإيمان أبدا\”.

لم يتوقف البابا بطرس وأتباعه و خاصة تلميذه اثاناسيوس الرسولي والذي أصبح في وقت لاحق بطرك الإسكندرية نفسه. فما كان من أثاناسيوس إلا أنه اتهم ملاتيوس عده اتهامات والتي كما ذكرت منها أنه تخلى عن الإيمان, وحاول أثاناسيوس أن يثبت ادعاءه بأن قال إن الدليل على أن ملاتيوس كان يتبع دقلديانوس هو أنه لم يتم سجنه أبدا على يد الإمبراطور، لكن مرة أخرى تم تفنيد مثل هذا الادعاء على يد الأسقف إبيفانوس والذي أكد أن ملاتيوس تم سجنه في عهد دقلديانوس, بل وكان في نفس الزنزانة مع البابا بطرس نفسه والذي تم اعتقاله بأوامر دقلديانوس.

لم تهدأ موجة انشقاق ملاتيوس حتى بعد استشهاد البابا بطرس واستمر الصراع بين ملاتيوس ومن خلف بطرس في كرسي الباباوية وخاصة البابا الكسندروس والذي حدث في عهده مجمع نيقيا وهو الحدث الكبير. دعا الإمبراطور قسطنطين, وهو أول إمبراطور روماني يؤمن بالمسيحية, إلى عقد مجمع نيقيا وذلك لمناقشة قضايا أساسية.

القضية الأولى هي بدعة آريوس، والتي تتعلق بطبيعة ألوهية المسيح, ولن نناقشها بالتفاصيل الآن لأنها معقدة بعض الشئ، لكن الملخص هو أن آريوس و هو أحد كهنة الإسكندرية الذين ذاع صيتهم بأنه كان ينادي بأفكار مختلفة عن الإيمان الكنسي، فكان آريوس يقول إن الكلمة (اللوجوس أو يسوع) ليس بإله، بل بما أنه \”مولود\” من الله الآب فهو لا يشاركه طبيعته، بل تقوم بينهما علاقة \”تبني\”.

أهم نقطة في الموضوع هو علاقة أسيوط ببدعة آريوس. ذكرت بعض المصادر أن من قام برشم آريوس كاهنا كان ملاتيوس الأسيوطي ومن وقتها أصبح آريوس تلميذا له وتعلم على يده والأكيد هو أنه استوحى فكرة بدعته من أفكار ملاتيوس.

السبب الثاني لعقد مجمع نيقيا هو انشقاق ملاتيوس نفسه. وانتهى المجمع بقرار هو إبقاء ملاتيوس على منصبه كأسقف على أسيوط ومنعه من رشامة كهنة خارج حدود أبراشيته, وأن يتم إعادة رشم كل الكهنة الذين قام هو سابقا برشامتهم. وبوفاة ملاتيوس بعد انعقاد المجمع بسنوات قليلة, انتهى الانشقاق من نفسه وانضم أتباع ملاتيوس لجماعة آريوس.

في النهاية رأينا كيف لعب ملاتيوس أبن أسيوط دورا كبيرا في تاريخ المسيحية وكان هو شخصيا أحد أسباب انعقاد أول مجمع مسيحي مسكوني وكان أيضا وراء السبب الثاني لانعقاد المجمع وهو آريوس.

أعزائي الأسايطة وغير الأسايطة، أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم بهذه المعلومات وإلى اللقاء في سر آخر من أسرار مدينتكم الساحرة, أسيوط, مدينة الذئب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top