شريف عازر يكتب: أزمة الأطباء.. وبداية انهيار القاعدة الشعبية للنظام

 

النظام الحاكم في مصر يقوم على عدة أعمدة، من أهمها فئة المواطن الشريف المحب للاستقرار، والذي على أتم الاستعداد لمباركة ودعم أي جرائم يرتكبها النظام لمحاربة من يعتقد أنهم يدمرون هذا الاستقرار المأمول.

رأينا هذا المواطن الشريف وهو يدعم النظام ويبرر له حتى في أكثر حالات الانتهاك وضوحا، مثل قضية الناشطة شيماء الصباغ ومقتلها على مسمع ومرئى من الجميع.

رأيناهم أيضا يهللون لاعتقال آلاف الشباب بتهم التظاهر وتهم أخرى لا تمثل جريمة حقيقية ضد المجتمع، سوى أنها تهدد النظام نفسه.

رأيناهم يصفقون لمذابح علنية مثل مذبحة رابعة وماسبيرو، وتفنن النظام في استغلال هذه العلاقة الغريبة لحشد دعم شعبي لأي نشاط يقوم به حتى ولو كان يعد جائر أو فيه انتهاك صارخ للحقوق والحريات، طالما توفر هذا الغطاء الشعبي المحكم من المواطنين الشرفاء الذين لم يبخلوا على النظام بأي دعم مقابل أي وعود وهمية بالاستقرار والأمان والرخاء.

استمر شهر العسل هذا إلى أن وصل النظام لمرحلة من الغرور والثقة في النفس كبيرة، معتقدا أنه سيظل يتمتع بمثل هذا الدعم الشعبي من المواطنين الشرفاء مهما عمل.

لكن لم يدرك النظام أنه وصل لمرحلة من الغباء السياسي جعلته يعتقد أنه يمكن أن ينتهك حق المواطنين الشرفاء أنفسهم، ويظل يحظى بنفس التأييد منهم.. لم يدرك النظام أنه يرتكب أكبر خطأ حين انتهك حقوق فئة حرفية, بمعنى أنه انتهك حق بعض من يمارسون حرفة أو مهنة معينة، ينتمي إليها آخرون ممن يصنفون على أنهم مواطنون شرفاء مؤيدون للنظام، فمثل هذا الانتهاك الموجه لبعض الأطباء أحدث ضررا مباشرا للأطباء -الطرف المباشر في واقعة مستشفى المطرية- عندما تعدى عدد من أمناء الشرطة بالضرب على أطباء مستشفى المطرية التعليمي؛ لرفضهم كتابة تقرير طبي مزيف لأحدهم -بحسب بيان نقابة الأطباء- الذي أوضح أن مواطنا يرتدي ملابس مدنية توجه إلى المستشفى مصابا بجرح في الوجه، وطلب من الطبيب أحمد محمود، مقيم جراحة، أن يثبت إصابات غير حقيقية، بالإضافة إلى الموجودة به فعليا، وعندما رفض أفصح عن شخصيته بأنه أمين شرطة، وهدد الطبيب بتلفيق قضية حال عدم كتابة التقرير الذي يريده.

مثل تلك الواقعة مثلت اعتداءا ليس فقط على الأطباء المتواجدين أثناء الواقعة، ولكن أيضا على كل أطباء مصر, بما فيهم مؤيدي النظام.. شعر جميع الأطباء أنهم مهددون من النظام متمثلا في ذراع السلطة التنفيذية, وزارة الداخلية.

لم يتوقع النظام مثل هكذا رد فعل من جميع الأطباء، والذي وصل لمرحلة المظاهرات الحاشدة والمطالب الجذرية، والتي أعادتنا لإحساس الثورة مرة أخرى, لكن هذه المرة بمشاركة بعض المواطنين الشرفاء الذين ومنذ بضعة أيام كانوا يدافعون بشراسة عن النظام وانتهاكاته الموجهة لغيرهم مثل ثوار يناير أو الإخوان.

لكن, وبسبب غرور النظام وغبائه, وصل الضرر والانتهاك لمدافعين عن النظام أنفسهم، وتغيرت مواقفهم 180 درجة، فعلى المستوى الشخصي رأيت أصدقاء ومعارف من الأطباء ممن كانوا معروفين بدفاعهم الشرس عن النظام، يتحولون لمنتقدين لممارسات الداخلية ضدهم وانضمامهم للقيادات النقابية في معركتهم مع النظام من أجل رد حقوقهم.

إن استمرار النظام في انتهاج مثل تلك الممارسات سيؤدي لنتيجة حتمية, هي انقلاب جميع فئات الشعب ضد النظام سواء آجلا أم عاجلا، فلا يوجد مواطن في مصر لا ينتمي لفئة معينة يرى نفسه جزءا منها ويعتبر أن هناك نوعا ما من الانتماء الذي يترتب عليه تضامن في حال حدوث أي خناقة.

ظهر مثال الأطباء بوضوح، وذلك لوجود كيان مشترك يجمعهم وهو نقابة الأطباء، لذلك كان رد الفعل في أوضح صوره، ولكن مثل هذا الموقف سوف يحدث مجددا مع فئات أخرى متماسكة مثل المهندسين مثلا أو المحاميين أو عمال أحد المصانع أو طلاب كلية معينة, وربما يصل أيضا لفئات ليس لها تنظيمات قوية مثل سائقي التاكسي مثلا.

يبدو أن النظام لا يدرك فداحة ما يقوم به، وأنه باستمراره في الانتهاك بدون محاسبه فإن الثمن هو أن كل مواطن أجلا أم عاجلا سوف يصله الانتهاك حتى أعتاب بيته.. وقتها لن يشفع له تشبث المواطنين الشرفاء به أملا في منع الضرر في المستقبل, لأنه وببساطة أوقع عليهم ضرر شخصي لحظي سينسيهم آمالهم في الحماية من الضرر المستقبلي، ويدفعهم دفعا لصد الضرر المباشر اللحظي وما يحمله من رد فعل قوي ضد النظام وأذرعه.

عندها سيخسر النظام أهم أعمدة دعمه ويبدأ في طريقه للانهيار…. السريع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top