في أحد المطاعم الباريسية، اجتمعنا على العشاء وكنا مجموعه نساء من تونس وليبيا وأنا من مصر.. أخذنا الحديث عن ثورات الربيع العربي وأين نحن الآن، إلى موضوع الحجاب.
اختلفنا وعلت أصواتنا بعض الشيء، حتى لفتت انتباه الحاضرين في المكان، وشاركتنا بعض النساء الفرنسيات في الحديث، ففي فرنسا قانون شهير يعرف بقانون الحجاب، بالرغم من أنه قانون يتعلق بمنع ارتداء أي علامة دينية في الأماكن الحكومية أو ما تمثل الدولة، إلا أن الجميع يعلم أن هذا القانون الذي أقره البرلمان الفرنسي في 2004 كان فقط ضد الحجاب، وتسبب القانون في شق الصف بين النسويات الفرنسيات.. بين مؤيدة ومعارضة لوجود هذا القانون. أما نحن على العشاء فقد انقسمنا أيضا بين مؤيدة ومعارضة لارتداء الححاب.. بين كونه حريه اختيار يجب أن تترك للمرأة نفسها أم لا.
فرأت بعضهن وقد تعرضن لتجربة ارتداء الحجاب في بلادهن أن فكرة حرية الاختيار ليس لها وجود حتى مع المرأه التي ترتدي الحجاب \”مقتنعه\”، ففي النهاية لا توجد أي حرية، وهي لا تختار، فهي ترتديه كده كده، وأن ما يحدث لها منذ الصغر أنهم يحشون عقلها بحديث عن الله والجنة، وأن الحجاب هو طريق الجنة، ثم يخيفونها من جسدها، فتخجل منه ثم تكرهه وتنظر إلى هذا الجسد على أنه إثم وحرام وعقاب، وأن الحجاب هو وسيلة المجتمع الذكوري ليسيطر على المرأة ويخصعها، وأن القوانين التي تحارب هذا التخلف مهمة، وأن علينا كنساء المطالبه بمثل تلك القوانين ومساندتها.
بالنسبه لي.. الحجاب في مصر هو زي اجتماعي خانق وقامع للمرأة، أما في فرنسا، فهو زي للتمرد والانتقام من مجتمع قام بتهميش أجيال من الفرنسيين من أصول عربية، فأصابهم ضياع في الهوية، واتخذو من الإسلام جنسية، وفي نهاية الأمر سواء في مصر أو فرنسا، أرى أن لا علاقة تربط بين الحجاب والدين، إلا أنني ضد أي قوانين من أي نوع لمنع أو إجبار النساء على ارتداء الحجاب، ومع احترام حريه الاختيار للمرأه، والدفاع واحترام حرية اختيارها.. هذا بالنسبه لي أساس القضية النسوية وحقوق النساء.
هي حرية اختيار، حتى وإن كان المجتمع يعلم الفتاة أن تكره جسدها وترتدي الحجاب باسم التدين والوصول للجنة.
هي تجربة من حق كل فتاة أن تخوضها حتى النهاية، وأن تصل لنتيجتها بكامل إرادتها، وإن ظلت ترتديه أحيانا لأن الظروف كانت أقوى منها، مثل الملايين من النساء اللائي يلبسن الححاب أمام ذويهن، ثم ما إن تأتي الفرصة، يخلعن الحجاب ويتحررن، ومثل آلاف من بنات مصر اللاتي توصلن بملأ عقولهن إلى أنهن لا يردن ارتداء الحجاب، وكانت لهن القدرة على مواجهة المجتمع والأهل وخلع الحجاب.. كل امرأة.. بل كل إنسان له الحق في أن يتأثر ويبحث ويفكر ويختار ثم يتراجع أو لا يتراجع.. يتغير أو لا يتغير.
ليس علينا كنسويات أن نناضل أو نتظاهر من أجل خلع المرأة للحجاب.. أرى أن ما علينا فعله هو الاستمرار في فضح هؤلاء الذين يريدون قمع المرأة باسم التدين، وكشف عقولهم المتعفنة المتخلفة، والأهم هو مساندة النساء، بالدفاع عن حرية الاختيار لأي امرأة مهما كان اختيارها.