نحن نكتب ليحبنا الناس ونضحك لنفس السبب ونحيا لهذا السبب فقط، نسعى بكل الطرق لنصل إلى هذه النتيجة الوحيدة والأهم، أن لا نصير وحدنا!
لا اعلم أين العلة الدرامية فى كوننا وحيدين، فلقد خلقنا وحيدون، حيث التقى حيوان منوى وحيد ببويضة وحيدة، حيث جمعهم قانون الصدفة لينتجوا كائنا وحيدا، ربما ليس قانون الصدفة، ولكن لعلها الترتيبات الكونية والخطة الكبرى التى تجمع خيوط أقدارنا سويا، لكن النتيجة كانت ولا تزال كائنا وحيدا!
متى تولد بداخلنا هذا الشعور بعدم الكمال إلا وأن نحب وتغمرنا مشاعر لهذا الآخر الذى يفضل أن يكون يبادلنا إياها!
ربما هى القصة الأبدية بين سيدنا آدم وحواء، حيث وهبت حواء لآدم لشعوره بالوحدة، أى أن الوحدة كانت منذ الأزل! وإن كان بالجنه كل ما يطلبه المرء ويشتهيه ومع هذا شعر آدم بالوحدة! إذا ما السبب الذى يدفعنى للهاث خلفها بينما عانى جدى الأول وحدة مزقته، حتى وهبه الله حواء! ترى هل سأكون بمثل حظه فيهبنى الله من يدفع عنى وحدتى بجنته!
لم يذكروا كذلك هل ازداد من بعدها شعور آدم بالوحدة أم حمد ربه على هبته وعاش فى سلام وأمان! ولكن إن كان قد شعر بالسكينة، فكيف وهبنا كل هذه الجينات التى تجذبنا مرغمين إلى هذا الشعور القديم بالوحدة تلك!
ترى أين تنتهى تلك الوحدة!
تتردد بأذنى أغنيه كاميليا جبران حين تقول متسائلة: (أين تنتهى الموجة وأين يبدأ البحر! أين ينتهى الجسد وأين يبدأ الظل! أين تنتهى الظلمات وأين يبدأ النور!)
الأسئله خلقت لتذيل بإجابة مستوفية، ولكن لِمَ كل هذه الأسئلة خلقها الله دون إجابة منطقية! خلقها وحيدة! ولِمَ وهبنى الله هذا الكم من الأسئلة الوحيدة لتسكن عقلى!
نظريات الرياضايات هى أكثر النظريات منطقية وسلاسة (معطيات، مطلوب، ثم نجهد عقولنا ونلتوى على ذاتنا فى البرهان) هكذا وبكل سهولة يمكننا حل كل وأي شيء وإضفاء الرضا على كل الأوجه المشاركة بالمعادلة! لكن هذا مستحيل بكل هذا الكم من التعقيد الذي تتحلى به معطيات الحياة الإنسانية!
القوانين الواضحة القاطعة الرزينة غير حياتية وغير قادرة على استثارة حفيظة طالب مجتهد يعانى وحدته أمام تلك الورقة البيضاء، حيث ترك وحيدا محاولا حل تعقيدات إنسانيتنا كواجب بمدرسته فى المجرة المجاورة لنا!
هذه الوحدة أو الشبح الذى يضفى على أحلى الأوقات طعم صدأ يمرر الحلق ويصبغ نظراتنا بالرمادية دون داعى وبلا أي مقدمات.
اتذكر جيدا أحلى الأوقات التى جمعتنى بجدتى، واتذكر جيدا شعورى بالخوف من أن أفقدها في كل مرة جمعتنا لحظات جميلة وضحكات عالية، شعورى بالخوف من الوحدة بعد فقدانها لم يؤخر موعد فقدانها ولو دقيقة واحده، وها أنا ذا بعد أن فقدتها أشعر بالحسرة على تلك الفرحة الناقصة التى عشتها معها، بينما كنت أحمل عبء خوف فقدانها! لعلنى كنت بسيطة كفاية لأحيا اللحظة بلحظتها ولا أثقل كاهلى بما ليس لي يد به، لعلني كنت بتلك الحكمة!
(وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟!) نعم نحن سكان تلك البسيطة تركنا هنا لنعانى عبء الوحدة والجهل فى مقابلة كل ما لم نحط به خبرا!