الدنيا ليست حانية بقدر كافى لتتركنا نحزن فى صمت وعلى مهل، لتتركنا نخرج سم الواقع من عروقنا حتى النهاية لنتعافى ونقف من جديد أصحاء تماما! الواقع أن الدنيا إن آجلا أو عاجلا ستفقدك هذه الفكرة السريالية عن الكمال، فهى دوما ما تجذبنا من أحزاننا إلى واقعنا اليومى فى حركة مصارعة حرة مباغتة لتترك أجسادنا مستسلمة وملقاة على الأرض مشغولين بمستجداتها اليومية السريعة وبكل ما هو ليس ذا أهمية مقارنة بحزننا!
تتركنا مشتتين بين شعور المطالبة الذي تغدق به علينا يوميا، فهى تريد منا أكثر وأكثر فى محاولة منا فقط لمسايرة الواقع اليومى السريع جدا وبين شعور كبير بالخزي كوننا تخطينا أحزاننا سريعا هكذا وسمحنا لأنفسنا أن نساير الواقع اليومي بسرعته!
لا أعلم من الملام هنا حقا، هل هو نحن لإتخاذنا قرار التعايش ومسايرة الحياه! أم الدنيا لكونها غير حانية لتستوعب حزننا أو تستوعبنا ونحن حزانى!
لم أعرف حتى الآن وبعد كل هذه السنوات على تلك البسيطة غير البسيطة إجابة وافية ولكن ما العلة فى ذلك! ففى مخى هذا تتداخل ملايين الأسئلة غير المجابة، هل حقا هذه هى الطريقة الأفضل والأوقع لنشعر بالسكينة! هل بتفاعلنا مع العالم والانخراط في تفاصيله الكثيرة والمرهقة! أم بأن نعطى للحزن جلاله ووقته ونتخطاه على مهل ليكون تخطيا عقلانيا ومنطقيا فلا تصيبنا غفلة ثورات الحنين والحزن ولوم الذات كوننا لم نحزن لوقت كافٍ بالسابق بينما كان الحزن متاحا وحقا لنا!
مع العلم أنه إن فات موعد الحزن فلن تجد تبريرا منطقيا تخبر به الناس لسبب حزنك الحالى! فى حين إن تعافيت سريعا من أحزانك قد يتهمونك بكونك لا تمتلك قلبا يحزن من الأساس وربما سينتشلوا منك حقك فى أن تضعف وتنهار وتبكى بلا مبرر لأسباب تافهة ربما فى وقت لاحق!
ولكن إن كنت غير مبالٍ برأى الآخر مثلى فلنتجاوز هذا العامل (رأي الآخرين فيك) بمعادلة الحياة ولنتخطاه لنقطة أهم وأوقع وهي سعادتك أنت ورحلتك أنت لإيجاد صيغة مناسبة للتفاعل مع مستجداتك أنت اليومية.
أشعر أن العلة فى كوننا لا نحزن لوقت كافٍ وهذا كل شىء! أو ربما هناك عدم إجماع أو تحديد قوى لا يحمل أى تشكيك لماهية الوقت الكافى للحزن، فليس مسطورا فى كتاب ما معادلة واضحة تحدد عدد الساعات التى يجب أن تحزنها لكل موقف على حدة، بينما قدراتنا البشرية متفاوتة، فعليه تتفاوت تجاربنا فليس هناك مجال للقياس كذلك! ليس هناك من مفر لتجد نفسك أمام هاجس كونك ربما تغالي فى حزنك أو كونك اقتصدت به حد تعنيف الذات!
انا لم أبالغ فى الحزن يوما وكان هذا قرارى دوما عن عمد ولاعتبارات كثيرة أهمها أن لا أخيب ظن المحيطين بي وعلى علم مسبق هكذا أن من تداعيات قرارى هذا يتوجب التصالح مع نوبات الاكتئاب المفاجئة وربما الـ -موود سوينج- اللطيف، لكن كان هذا دوما الحل الأمثل لأن دوما ما توجب عليّ فعل أشياء بعينها أهم من كونى أحزن وأنهار، لذا وجدتنى أقرر لمرات عدة أن أؤجل الحزن قليلا بينما يكون الوقت مواتيا لأحزن متمنية أن يصيبنى الحظ يوما وربما أنسى حقا أن أحزن وأجدنى لست بحاجة لذلك وإذا بي قد تخطيت هذا وذاك كله على بكرة أبيه!
تمنيت هذا دوما ولكنه لم يحدث أبدا مع الأسف، فأنا لست محظوظة وهذه حقيقة كونية ولكن ربما هذا غير متاح أصلا بكتيب الحياة، الحقيقة الوحيدة كوننا نقرر ونتحمل نتيجة قراراتنا بينما الحياة تستمتع بمشاهدتنا نتعايش مع مستجداتها بطرقنا العقلية اللوذعية المختلفة التى نغالي فى ذكائها طامحين أن يكون اصطدامنا بالواقع أكثر هوادة وأكثر وربما يحن العالم ويصير أكثر وأكثر!
أتعلم يا صديقى.. نحن فقط نحلم بواقع ترامبوليني حنون (نسبة إلى الترامبولين لعبة الأطفال للنط)؟!