يا داليدا Nous sommes malades:
المكان: وسط البلد، المقهى المقابل لسينما زاوية، السينما والمكان الأقرب لقلبى، أين كنت أشاهد الأفلام قبل افتتاح زاوية؟!
أنهيت زجاجة البيبسي الأحب إلى قلبى من كل ما سبق على عجل لألحق بالقصة من أولها وأشاهد نبتة داليدا الأولى، أكان لابد إضافة بعض الإثارة بقولي زجاجة الخمر؟ على كلٍ هكذا صارت الأمور وكانت بيبسي.
جلست فى منتصف القاعة أمامي بضع كراسٍ متراصة بتدرج أحب أن أختلس النظر إليه في منتصف الفيلم وابتسم إبتسامة لا أعلم سببها اطلاقًا.
ساد الظلام القاعة وبعد دقائق ظهرت فتاة بملامح لا تنم عن تحولها لـ داليدا فيما بعد، كنت أود الطرق على كتف عمرو الجالس بجانبي لأخبره أننا يبدو أخطأنا القاعة، كان سيبتسم ويتهمني بالجنون، احب ابتسامته على كل حال.
فتاة صغيرة بأحد شوارع مصر تملأ الكادر ترتدي نظارة طبية ينعتها الجميع بشتائم تنتهي بـ \”أم 4 عيون\” تعاطفت معها بعيدًا عما ستؤول إليه الأمور وبعيدًا عما إذا كنا بالقاعة الخاطئة، فـ أنا الفتاة صاحبة النظارة الطبية منذ الخامسة من عمري؛ لمست شعورك منذ أن عايشته قبل مشاهدة الفيلم بكثير، بعيدًا عن دراما -من المبكر التطرق إليها- أصبحت النظارات الطبية موضة الآن وكنت من أول اللاحقين بها بالتأكيد.
أود تخطى كل الكراسى المتراصة الآن وأمعن النظر بالشاشة وأعود لمقعدى لأستوعب.
نعم، تواجدنا بالقاعة الصحيحة مع داليدا، داليدا التي تعرفت عليها لأول مرة بعد أعوام كنت أدعي معرفتها، ارتبطت منذ اللحظة الأولى بصداقة داليدا، أم داليدا متجسدة في سڤيڤا ألڤيتي -بطلة الفيلم-؟
الحقيقه، لا أعلم إلا أن هناك صداقة، صداقة قد تدفعنى لزيارة قبرك يومًا مًا لأضع ورود بحجم كل ما لمس قلبى ولمس قلبك من ندوب.
رأيتنا جميعًا بك؛ فبكيت لأجل كل منَا على حدا، نخشى الوحدة مثلك تماما حتى وإن تعاطينا معها بأسلوبنا الخاص، متهمينك بالأنانية والوصولية وما إلى آخر الأحكام حيال تعاملك مع الأمر.
دفعك خوفك هذا للزج بنفسك في حضن أقرب رجل دون أي إعتبارات، تاركة خلفك أذى لن يغفره لك كثيرون وعالق بك أذى تجلى بأغنياتك حتى خُنقني بالبكاء، لكنه الخوف. ماذا سيترك؟
في كل مرة لملمتي آثار وحطام حروبك النفسية ووقفتي تغني بسعادة، لم يشك أحد أبدا بتصنعها، كنت أود المسح على رأسك باعتباري أقرب أصدقائك داخل القاعة الآن.
لماذا استعجلتِ الرحيل يا داليدا؟ كنت أعقد كل النوايا لأبقى بجانبك أشاركك كل تقلباتك المزاجية ومخاوفك ونتحايل على الحياة سويًا، أعلم أن \”الحياة لم تعد تُحتمل\” قد نتحايل عليها لنجعلها محتملة بنسبة تسمح لنا باستقبال صباح يوم جديد أو ربما كنا سنأخذ القرار ذاته، من يعلم؟!
بحثتِ عن السلام يا داليدا حتى وإن اختلفنا على سُبلك، سأغفر لك زلاتك في رحلة البحث تلك. لا يعنيني حقا بخانة الضحية أم المتهم وضعوا أسمك، لم ألتقط أنفاسي طوال الفيلم إلا لحظة رحيلك، خفيفة حتى في الرحيل، دون أي موسيقى تصويريه تضفين دراما مصطنعة على الحدث تركتِ كل شيء بلا رجعة.
لم أبكِ لحظة رحيلك إطلاقا، لا تغمريني بسبابك فهذا ما أردته لك على مدار أكثر من ساعتين وتمنيته لما يقرب من نصف قرن.. ألا تخافي ولا تحزني.
انتزع الخوف من عالم الموتى، أثق فى ذلك جيدا بعيدا عن حصة الدين في المدرسة الابتدائية التي تشكك في هذا الأمر
أرغمت نفسي على التوقف عن البكاء؛ شعرت بأني بلهاء، أبكي من أجلك طوال الفيلم حتى بعدما تجف دموعك وتقفين على المسرح تغنين وترقصين، كنت أود الوقوف وتوجيه السؤال بمنتهى الجدية لكل الجالسين: \”وانتوا مصدقين إنها بقت كويسه فعلًا؟\” حتى جاءت النهاية.
