عادة ما نبدأ رسائلنا بعزيزي/عزيزتي. فيما يعني أننا في أغلب الأحيان نبعث بالرسائل لمن نحب.
هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها لشخص حتى الآن لا أتقبل وجود أنفاسه على نفس الأرض التي تحمل أنفاسي.
كنت صغيرة. صغيرة جدًا. احتفل بإتمام عامي العشرين، وظهرت أنت لتلف قيودك وشروطك حول حياتي بخاتم ذهب أثقل من وزن إصبعي.
تسللت إليّ لتقضي على كل حي بي. وتحولني لأرض بور لا ينبت أو يحيا بها شيء.
صغيرة. ساذجة. غريبة الأطوار. ضعيفة. كثيرة التفكير وغير مفهومة. هكذا رأيتني طوال فترة خضوعي لك. إلى أن تمردت وخرجت من القفص المُزين خارجه بقشور الذهب وملئ من الداخل بنباتات القلق التي زرعتها ببراعة شديدة داخل صدري، فأعلنت الحرب من قبلك.
تخطيتك وأنا مدركة أن السيئة لا ترد إلا بالسيئة.
أراد الله ألا تنقطع زينتي فرد لي نفسي وأزاحك عن طريقي.
لم تتوقع بالتأكيد في كل مرة طرقت فيها على رأسي متسائلًا عما يدور بداخلها أن يكون مخططا وسيل من الدعوات لرحيلك بالطريقة الأنسب وفقًا لحالة تغيبي عن الحياة في هذه الفترة، هو ما يدور في رأسي المنهك آنذاك.
لكني فعلت. فعلت ومن ثم بكيت كثيرًا. على كل نفس دخل صدري قاسمتني فيه. وعلى كل مرة تجاهلت فيها دينا الوديدي وهي تغني لي خصيصا \”العرس\” كخلفية للأحداث.
تقابلت مع أنواع وأطوار جديدة من الألم وجها لوجه للمرة الأولى. تعاملت معها جميعا وألفتها. تركت ما تركت من ندوب وخدوش ورحلت وبقيت أنا أستوعب ما يدور حولي. أسقط تارة واقف لأتحسس جيدا كل ما يحل بي بعين مفتوحة على آخرها تارات أخرى. حتى تثقلني التجربة فأثقلتني وصقلتني.
تفقدت ملامحي أمام المرآة مرات لا أستطيع حصرها بعدما اقتلعتك من أرضي. لم أر قبحا طالما وصمتني به. حسنًا، ربما رحل برحيلك. كما حل بقدومك أيضًا.
عدد مرات ربما أقل بقليل من مرات وقوفي أمام المرآة ارتديت ملابسي كاملة ونزلت أبحث بكل الشوارع المجاورة. لا أدري إطلاقا وجهتي ولا ما أبحث عنه. ربما كنت أبحث عن نفسي التي كنت على وشك بيعها لكني وجدتها واسترددتها بالكامل مع حرية التصرف فيها. ربما اتبرع بها لأحد الجمعيات الخيرية يومًا ما عرفانا بجميل الخالق.
أوشكت السماء حينها على وضع جدار عازل يمنع كل أسئلتي التي تبدأ بـ\”لماذا\” عنها لكن يبدو أن قوانين الطبيعة أثنتها عن فكرة الجدار ولكن لم تثنها عن تجاهل أسئلتي.
على كل حال أؤمن كثيرًا بـ \” Things happen \”
تركتني السماء والقدرات الإلهية استنبط الإجابة، وحدي توصلت لأنني اخترت أن أتنازل ولكن يبدو أن مثل هذه الحياة التي كنت على وشك توريط نفسي بها لم تقبل بي وركلتني خارجها. قد تكون تعاطفت معي فأبت أن تورطني فيها وقد تكون ترفعت عن قبول فرد سيعكر صفوها بشعوره الدائم انه ليس جزءا من هذا. على كُل ٍ. كان ذلك أفضل أنواع الرفض التي حظيت بها.
مرت تجربتي من التعافي بمراحل. كانت الكوابيس ورجلي التي راحت ضحية القلق المزمن من التفافها حول نفسها أثناء نومي من كثرة التفكير هي أسوأ المراحل.
أعترف أنني كنت مضيفا كريما لألم ناضج بعيدا عن الألم الطفولي الثرثار. لكنه يستحق، هذبني فأحسن تهذيبي ونبت لي أول أنيابي من خلاله. يستهويني دائمًا تذوق المشاعر الجديدة واجني مكاسب توازي ما أهدرته من دموع في سبيلها.
آخر ما كنت اتوقع قوله أنني ممتنة لفترة كتلك من حياتي. ممتنة لما لمسته يدي من تجربه افنى غيري حيوات كامله لم يتوصلوا لمثيلها. ممتنة للوجع الذي اختبر قوتي فتفاجأت بقوة أشكر نفسي من حين لآخر عليها وعلى تجددها الدائم.
عادت لي ابتسامتي التي تكشف عن مشكله في تجويف الفم لاتساعها. وامتلك الآن سكينة ورضا يساعدانب في أن أضع عيني بعيون الناس أجمعين دون ذرة خوف أو ألم واحدة تنتابني.
كنت أنت الرسالة التي تتضمن ألا أقبل بأقل مما أستحق. وكنت أنا كل الرسائل التي علمتك أنه ليس بالضرورة أن يكون كل الصمت رضا. أحيانا كثيرة يكون الصمت ترفعا ورفضا. عاجلًا أم أجلا سيتحول لغضب.