\”نوجة\” الأقرب لقلبي بين شخصيات (محمد خان)، نحت ملامحها بمنتهى العذوبة في فيلمه (في شقة مصر الجديدة).
وقعت في غرامها مع أولى خطواتها المرتعشة الخجولة في شوارع القاهرة.
خطفتني فتاة الصعيد التي تترك العالم الذي تعرفه جيدًا خلف ظهرها، لتبحث عن عالمها ممسكةً وحدها ببوصلة اتجاهاته، يكمن نصف جمالها في عدم رؤيتها له، ونصف قوتها فى اتكائها على ذاتها، حاملة حقيبة بها كل ما يقيها مفاجآت السفر، تتمايل بشعرها المربوط برباط مقدس من عادات وتقاليد أتت بها من بلادها البعيدة، باحثةً عن الحب متمثلًا في \” أبلة تهاني\”.
بين الونس والحياة التي تزينها \”أبلة حياة\” بحكاياتها وحضنها المفتوح دائمًا كبيتها، ورعاية \”عم عيد ميلاد\” غير المشروطة، وأم نوجة المحملة بأفكار جموع لا يستهان بها تحيط بنا؛ نتداخل جميعًا مع مفردات الحياة، تمثلنا \”نوجة\”، ويوثق لنا \”خان\”، وتقودنا جميعًا \” ليلي مراد \” بصوتها وبثقتها أن قلب الجميع دليله.
بين الحياة المُعدة مسبقًا التي تنتظرها في الصعيد، والحياة التي دبت في عروقها وتعرفت عليها للمرة الأولى في شقة مصر الجديدة وبنسيون \”حياة القلوب\”. أتوبيس مدرسة تدّخل ليحسم القرار.
تمنيت كثيرًا مقعد \”نوجة\” أمام \”أبلة حياة\” على طاولتها الصغيرة بمطبخها الوحيد الشاهد على فنجان قهوة \”يظبط الدماغ والجلب\”، سأطرح عليها تساؤلاتي التي سأمَت الطرق على باب رأسي، مؤكد سأخبرها عن جروحي التي تلتئم، وعن كل الهراء الذي يسبح في رأسي، وعن تأقلمي مع تعكير صفو نومي الرابعة صباحًا بسبب خوف من فكرة ببشاعة \”ماذا لو توقفت الشركة المنتجة لمعجون أسناني المفضل عن إنتاجه ذات صباح؟\”
وعن \”عمرو\” صديقي الأقرب والأمان متجسدًا في هيئة رجل، عائلتي الوحيد وخط دفاعي في الحياة، هدية العالم لي دون مناسبة، سأخبرها عن كل الورود التي نبتت في رأسي فور وصولها إلى صدره، بعدما كانت رأسي هي الأرض الخصبة لألغام القلق، وعن دعواتي له كل مساءٍ، ومسحة يده على قلبي.
أشارك \”نوجة\” في خوفي من \”الأيام بتجرى\”، صاحبة الـ 28 عامًا لا تختلف كثيرًا عني في رحلتي للـ 23، نعتنق نفس دين الخوف، لا أحتاج لأنسى خوفي هذا سوى أن نجتمع حول سفرة البنسيون ونرقص، نرقص حتى ننسى ما دفعنا للرقص من الأساس.
جابت \”نوجة\” شوارع القاهرة حتى لا تنجرف إلى 28 عامًا أخرى في حذاء شخص آخر تراه يوميًا في المرآة كأمر واقع وليس طواعيةً. وأجوب أنا في خبايا عقلي لتلافي خسارة يوم آخر من حياتي يسير وفق خطط وضعت لي رغمًا عني.
لن أجد أنيسًا بدفئ قلبك أطلعه على طرقي الخاصة في التعامل مع الندوب العالقة بي، مع أول صورة التقطتها عيني للدنيا والناس، طرق إن دلت على شيءٍ فلن يكون إلا تكيفًا مع الأمر الواقع، من حينٍ لآخر أطلق عليه نضج عوضًا عن تكيف، من أجل جملةٍ أكثر ثقلٍ تساعدني على تصديقها بضع خطوطٍ حلت ضيفًا تحت عيني، أعتز بها كثيرًا وأعتبرها ضيفا مرحبا به.
فكرت بنهم فيما بعد نهاية \”خان\” المفتوحة، هل عودتي للصعيد وعضضتِ على أصابعك نادمةً على الاستجابة لنداهة القاهرة؟ لديكِ الآن شقة وحديقة جميلة بأحد شوارع مصر الجديدة مع يحيى؟ نسيتي رقم يحيى من الأساس؟
تخليت عن نسبةٍ كبيرةٍ من سذاجتي تمنعني من توجيه أي اتهامٍ لكِ في حالة اختيارك نهاية غير مرضية لي، أو على الأقل منصفة للحدوتة وأحداثها برأسي، صعبة هي الحياة وغير مسبقة النتائج كمعادلات الكيمياء التي تنخر رأسي، الاختيارات دائمًا صعبة وغير مشبعة، وقعت في غرام فكرة \”تكلفة الاختيار\” حتى مع كرهي لأثرها، لكني أؤمن تمامًا بفكرة دفع ثمن الاختيار وبعيدًا عن مثاليةٍ لا أطمح لها، أؤمن أيضًا ببعض التنازلات وبعض الخيبات وكثيرًا من التأقلم فى حالة عدم توفر الثمن، هذه هي \”سنة الحياة\” الحقيقية وليس ما يدعوها، لم يبلع أحد من قبل مرارة خسارات غيره، نجرها على قدر استطاعتنا ونسير فحسب، نراهن على الوقت دائمًا، وحده كفيل بتطييب الخاطر.
يكفي محاولات أتعبت قدميك قبل رأسك في البحث بإخلاص شديد، يكفي ما نلته من شغفٍ، دعيني أعود لسذاجتي التي تخليت عنها للتو، وأخبرك بأنه يكفي حقًا أن تعودي للصعيد متخليةً عن رابطة شعرك.
أحيطك دائمًا بدعواتي أن تنبض بك الحياة تحت أي ظرفٍ، أن تتركي الجمع وتذهبي للبحث والتفتيش بمفردك.