سمر طاهر تكتب: يا شماتة أبلة ظاظا فيّا

حققت \”مظاهرة خلع الحجاب\” المزعومة من وجهة نظري نجاحا منقطع النظير.. ربما لم تحقق هدف \”الشوباشي\” شخصيا، لكنها حققت هدف أهالي المحروسة \”المحروسين\” والباحثين دوما عن فرصة ولو بحجم خرم الأبرة لـ\”فش غلهم\” الملتهب بطبيعته.

رأى الصحفي \”شريف الشوباشي\” أن نساء مصر مقهورات، وبالتالي فإن دعوته ستكون أشبه بما فعله قاسم أمين أو هدى شعراوي في زمانهم.. انقسمت الآراء فورا بين مهلل وشاتم، وللحق فإن لكل رأي وجاهته التي لا يمكن إنكارها.

من حيث مقهورات فهن فعلا مقهورات وزيادة.. هذه الفرضية نضعها جنبا كمقولة مقدسة لا مساس بها.. لكن دعوة الشوباشي؟ إيه؟

بنات الطبقات المتعلمة ردوا فورا \”الموضوع حرية شخصية لماذا يحتاج لمظاهرة؟!\”.. الصراحة رأيت أنه رأيا سديدا.

في المقابل فند البعض العبارة السابقة \”حرية شخصية\” لدى الأسر المتعلمة التي تسمح للفتاة بالاختيار.. أما غالبية نساء الشعب فمجبورات.. بالتالي محتاجين (زقة) من أجل ممارسة هذه الحرية.. الله.. رأي أيضا له وجاهة.

يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الموضوع رمزي، وأنه لا يتعلق بالحجاب بقدر ما يتعلق بفكرة أكبر.. ممكن يعني نقول \”ثورة على المجتمع الأبوي\”.. ممكن.

رجال الدين قالوا: \”هل ترضاه لأختك؟ اليوم مظاهرة لفك الحجاب وغدا المظاهرة لترك فريضة الصيام\”.. أما الأغلبية فرأوا أن طرح الموضوع أصلا محفوف بالسخافة والسماجة غير المحتملة مع ظروف البلد الحالية، وأنه من الأفضل الحديث عن المصائب الأهم، مثل أعداء الوطن أو المياه الفوسفاتية على أسوأ الفروض، فالوقت غير مناسب يا سادة.

\”الوقت غير مناسب\”.. عبارة طالما سمعتها من أبي عند رغبته في الهروب من مناقشة موضوع مهم وحرج يمس مستقبل الأسرة.. مثل شراء جهاز الفيديو كاسيت أو السفر للمصيف.. وأحيانا كنت أسمعها كرد على أي موضوع فلسفي لا لزوم له يتم طرحه للنقاش بلا هدف منّا سوى \”مرازية\” أبونا، ورغم أننا كبرنا وعرفنا أنه لا يوجد موضوع \”لا لزوم له\” طالما يمس واقع حياتنا أو حتى يمس عقولنا الفارغة التي تدور في دوائر مكوكية بلا هدف \”شغلتها كده\”، ورغم أننا عرفنا أيضا أنه بالعصف الذهني تحيا الشعوب، وأن المناقشة – على عكس الجريمة – دائما تفيد، إلا أنه ما من عبارة تكررت في حياتنا أكثر من \”الوقت غير مناسب\” .. الوقت غير مناسب.. في مصر هو شعار المرحلة وكل مرحلة.. \”الوقت غير مناسب\”.. حجة جاهزة لإخراس أي لسان يطرح أي فكرة.. بعيدا عن دعوة الشوباشي وتمحيصها – اللي هي مش موضوع المقال ده – وبعيدا عن مذبحة إسلام البحيري والتخلص منه لصالح إرضاء الجماهير المذعورة، أصبحت هذه العبارة حلا سحريا لإسكات المعارضين على كافة الأصعدة وإجهاض أي مناقشة موضوعية قبل أن تولد.

\”عاوزين الإخوان يقولوا السيسي بيقلع الستات الحجاب؟\”

\”عاوزين الإخوان يقولوا إن الحكومة بتشتم في البخاري؟\”

عاوزين الإخوان يقولوا الإنقلاب عمل برنامج اسمه الراقصة؟ ينفع كده؟!

وفجأة أصبح الإخوان \”أبلة ظاظا\” جديدة.. مثل عمة أو خالة رجاء الجداوي في المسرحية الشهيرة، فنجد رجاء تضرب صدرها تحسبا لما ستفعله بها الأبلة اللعينة \”يا شماتة أبلة ظاظا فيّا\”

والأبلة دوما تهمل شئونها وتتفرغ لمراقبة الآخرين، والأبلة لا تريد أن تموت وتُريح رجاء، والأبلة لن تموت لأنها فكرة، وطبعاً الأفكار…… (أكمل السطر).

يعود بي كل هذا الهم إلى ما كان يحدث منذ سنوات، عندما كان يتجرأ أحدهم ويطرح أي مشكلة مجتمعية للنقاش في فيلم أو برنامج.. كان النقاش فورا يتحول عن المشكلة ذاتها إلى الدفاع المستميت عن \”سمعة مصر\”.. مش مهم مصر تموت.. المهم تموت شريفة!

ماهو طبعا.. أومال عايزننا ننشر غسيلنا الوسخ قدام الناس؟! الله؟! أليس هناك بديلا ثالثا أمام هذا \”الغسيل الوسخ\”؟! إما أن نتركه مكمكم تحت السرير، أو نقوم بنشره طازجا من سلة الغسيل مباشرة إلى البلكونة ليراه الجيران بكل هذه البُقع ؟ ألن يجد هذا الغسيل المتعوس من يحنو عليه ويغسله \”فومين\” ويريحنا؟

لماذا لا يخطر في بالنا أبدا البديل الثالث، وهو إتمام عملية الغسيل ذات نفسها؟! ربما الوقت غير مناسب لفتح الغسالة! ربما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top