تستيقظ هي من النوم قبله كالعادة.. بينما لا يزال هو يتقلب على الفراش.. يبدو أنه سيستيقظ أيضا.. ليست عادته الاستيقاظ مبكرا في عطلة نهاية الأسبوع.. لكن ها هو يفتح عينيه.. هي متحفزة كأنثى الفهد.. تنظر له لا تعرف هل تبتسم أم تدعي الغضب.. لا تتذكر لماذا كانت غاضبة منه أمس.. لكنها الآن متأهبة لتصنع الكثير.. يلقي هو تحية الصباح.. ويحكم إغلاق ستائر النافذة حتى لا تنفذ الشمس إلى الغرفة.. هو لا يهوى ضوءها.. يخطو عدة خطوات في الغرفة متثاقلا.
هي تختلس النظرات.. هي بين اليأس والرجاء.. اليأس من كونها تعلم مسبقا ما سيحدث اليوم، والرجاء أن هذا اليوم ربما سيكون مختلفا… يمكن… كل شيئ جائز.
يدور في ذهنها ما تريده لهذا اليوم.. ما تريده هو أكثر شئ \”تحبه\” و\”تجيده\”.. \”الفضفضة\”.. تريد أن تشكو لزوجها وتريد منه أن يستمع وينصت، تريد أن \”تسوق عليه الدلال\” وهو يتحمل كما كان يفعل في بداية زواجهما، منذ عام مضى، لديها هذا (العشم)، لكن تخشى أن يكون في غير موضعه.. بل هي شبه متيقنة من أنه في غير محله. تراكمات الأيام الفائتة جعلت من فكرة \”أن تسوق عليه الدلال\” فكرة صعبة، لم تعد تثق في نفسها كامرأة يمكن أن تحرك مشاعر هذا الرجل.
هي تفكر.. وفي ذلك الوقت يكون هو قد فعل ما يريده.. هو لا يحتاج للتفكير، هو \”يقرر\”، لقد شرب الماء من الزجاجة مباشرة محدثا صوتا عاليا، وعاد إلى الفراش، وراح في سبات.
لا تصدق هي ما حدث، تريده أن يستيقظ، رغم ضيقها الشديد منه، صحيح \”القط لا يحب إلا خناقه\”، هي تريد أن تفتح معه حوارا، أي حوار والسلام، لكن لا مجال لحوار مع نائم.
تجد ضالتها في التليفون.. تتعمد أن تتكلم بجواره وهو نائم.. ربما يثور عليها.. ربما يعلو صوته.. أي شئ أفضل من الصمت.. تحدث أمها وصديقتها منى.. تتكلم عن خيانة الأزواج وارتفاع الأسعار وضيقها بالأحوال.. هي تعرف أن نومه ثقيل ولن يسمعها.. لكن يا ليته يسمعها ليعترض ويبدأ حوارا أو حتى شجاراً معها.
لطالما أرادت أن تستغل فرصة صباح الجمعة في زيارة لصديقتها أو ربما في التسوق أو التسكع.. لكنها تضيع هذه الفرصة كالعادة انتظارا لاستيقاظه.
\”ربما لن ينام اليوم.. ربما هذه الجمعة يتفرغ لي.. ربما يحضّر لي مفاجأة.. ربما.. ربما\”. لديها الكثير من التوقعات التي لا تحدث أبداً.. ومع ذلك تظل هي في انتظار شيء ما لا يجيء.
الساعة الثالثة عصرا.. يمكن أن توقظه الآن.. لكنها لا تريد.. تريده أن ينام أكثر ليزداد شعوره بالذنب نحوها عندما يستيقظ.. يمكن أن تتحمل الشعور بالغيظ منه \”لإهماله لها\” وتتحمل الحقد عليه لقدرته على العودة للنوم برغم كل الطاقة السلبية في الغرفة والمنزل بأسره، يمكن أن تتحمل الشعور بالوحدة.. كل ذلك في مقابل كلمة (آسف) يقولها لها عندما يستيقظ.
قررت أن تشغل الغسالة وتتظاهر بالانشغال مع دورانها، حيث يئست من أي مفاجأة أو حتى \” خناقة\” معه.. تجد سلوتها في متابعة فقاقيع الصابون البيضاء التي تمتلأ وتتكاثر وتفور، ثم تهدأ وتختفي كالأمواج المنحسرة.
يستيقظ هو وحده في الخامسة… هي تعبت من الانتظار.. خواطرها الجنونية قضت على راحة بالها.. أصبحت كالوحش الذي يتأهب للانقضاض على فريسته.
يسألها لماذا لم ترتد ملابسها للخروج.. يبدو على وجهها التعجب.. فأي خروج يقصد؟ هو لا يحب تجمعات العائلة، هي أيضا لا تهواها، لكنها لا تصارحه بذلك، تتمنى أن يرافقها لبيت أسرتها مجاملة لها، تريد منه تضحية بوقته ولو لبضع ساعات يقضيها في شيء لا يحبه من أجلها هي.. رغم أنها لا ترغب حقاً في فعل ذلك.
واليوم هو يوافق بلا مقدمات على تناول الطعام مع والديها.. \”عجباً له، كل هذا من أجل تناول وجبة غذاء مجانية ؟\”، هكذا فكرت وهي تبتسم له ابتسامة برتقالية.
فكرت في التزين وارتداء فستانها الجديد، لكنه لن يلاحظ ولن يعلق وستزداد هي حنقاً عليه، لا لن ترتدي الفستان اليوم.
يستعجلها في النزول كي يصلا إلى منزل والدتها قبل بداية عرض المباراة التي ينوي متابعتها اليوم، لقد تيقنت الآن أنه سيكون يوما بائسا جداً.
تفكر أن عليها مراعاة أولوياتها كما يراعي هو أولوياته، فبرنامجها المفضل سيذاع في نفس موعد المباراة، لكنها ستتركه يشاهد المباراة على التلفزيون الوحيد بمنزل أهلها، المباراة مسألة حياة أو موت بالنسبة له، لكن الانتهاء من \”الغسيل\” ليس أقل أهمية من \”المباراة\”.. هذه إحدى أولوياتها الآن على الأقل.
تصر على أنها سوف تغسل المزيد من الملابس الآن، فالأمر لا يحتمل التأجيل.. وبالتالي فإن عليهما انتظار \”الغسالة\” حتى الانتهاء.. لا يمكن أن تتركها تدور وهما خارج المنزل.. لن تأمن شر الماس الكهربائي.. لن ينفعها هو وقتها.. لن يستطع التصرف وشراء شقة جديدة.. شقتهما هذه مازال \”عليها أقساط\” على كل حال.
هل تطفئ الغسالة وتخرج معه ثم تعيد تشغيلها في المساء بعد أن ينام هو؟ لا.. لا يمكن.. هي مستيقظة في وقت مبكر جداً.. تتمنى هي أن تنام فور عودتهما للبيت.. وقبل نومه أيضا.. تريد أن تشعره بالإهمال كما فعل هو فيها خلال الصباح.. بالتأكيد ستفعل ذلك.. هو يستحق.
يخبرها أنها \”حرقت دمه\” وعكرت مزاجه بسبب مشكلة \”الغسالة\” اللعينة، وأنها أفسدت صباحه.. تذكره أن الساعة قد تجاوزت الخامسة بالفعل، فكيف لهذا أن يُحسب صباحاً؟
يقترح أن يخرج هو لمشاهدة المباراة على مقهى مع بعض الأصدقاء، على أن تظل هي بجوار الغسالة!
تتذكر والدتها.. كيف ستعتذر لها عن الزيارة التي وعدتها بها اليوم؟ كما أن صديقاتها كن قد اتفقن على اللقاء ظهر اليوم، لكنها اعتذرت على أمل قضاء اليوم معه، بالتأكيد انتهى لقائهن ورجعن لمنازلهن.
ربما تنتهي هي من أعمال المنزل ثم تنزل لزيارة أمها وحدها في المساء.. لا لا.. لم تعد لديها الرغبة في فعل شيء.. تطلب منه أن يوصلها لوالدتها ويتركها هناك إلى أن ينتهي هو من مشاهدة المباراة.. حل وسط.
تغلق الغسالة وترتدي فستانا قديما عاديا.. تنظر له بترقب.. بالتأكيد سعيد بعد أن تخلص من صحبتها.. ترجوه.. ألا يتأخر عليها في المساء.. تشعر وهي في بيت أهلها أنها \”مطلقة\” تعيسة.. ماذا لو تم طلاقها بالفعل.. ماذا سيقول والدها؟
يلومها بغضب.. كيف تشترط عليه موعدا محددا للرجوع مساء؟ أليس من حقه بعض الحريه مع أصدقائه ولو لليلة واحدة في الأسبوع؟
يعلو صوته فيزداد حنقها.
يفقد رغبته في الخروج ويخلع ملابسه.. يلقي بنفسه على الأريكة أمام التليفزيون.. تتجه هي للحمام.. تغلق الباب بعنف وتبكي للحظة، ثم تنظر للغسالة.. تضغط على الزر مجددا.. وتغادر.
تلقي نفسها بجانبه على نفس الأريكة.. بفستانها الذي لا تحبه.. يرسل رسالة لصديقه يخبره بأن \”الحكومة\” منعته من النزول.. ترسل رسالة لوالدتها تخبرها أنه قد أصيب بصداع مفاجئ.
يتابع المباراة بشغف.. يعلو صوت المعلق الرياضي معلنا عن هدف.. تزداد سعادته ويعلو صوته مهللا.. تنزعج من شدة التهليل وتنظر له باستياء.. يعلو صوت الغسالة ليغطي على باقي الأصوات.