سمر طاهر تكتب: اللمبي.. كلاكيت أول وعاشر مرة

محمد سعد.. عيد الفطر.. فيلم جديد.. كلمات عادة ما ترتبط ببعضها البعض لتشكل جملة واحدة مفيدة.

ما يجعلها تترابط معا هو حقيقة أن موسم الأعياد بشكل عام موسم مناسب جدا للضحك والكوميديا، خاصة لو تزامن مع فصل الصيف بحرارته والرغبة الفطرية للبشر في التخفيف عن النفس بضحكة لطيفة وغير مرهقة للذهن.. إذا أضفنا لذلك أن بعض جمهور الكوميديا مازال على ولائه للنجم محمد سعد رغم تكراره لشخصية الغبي الساذج التي يؤديها مرة بعد الأخرى، فالجملة نفسها ستظل تتردد لأعوام.

الشخصية الساذجة المتكررة بجنون، مازال بعض الجمهور يغفرها لمحمد سعد، بل ربما يحبه البعض لذلك، فكما قدم أسطورة الكوميديا إسماعيل ياسين نفس الشخصية \”بأسماء مختلفة\” في عشرات الأفلام، فربما أراد \”سعد\” أن يسير على نفس الدرب.. أو ربما جاء الأمر معه كمجرد مصادفة.

محمد سعد فنان يعلم الجميع حجم موهبته التي لم يستغل سوى جزء بسيط منها حتى الآن، ومع تقديمه لشخصية اللمبي للمرة الأولى انفتحت له طاقة القدر بلا مقدمات.. شخصية المعتوه أو البلطجي الغبي والتي أداها في فيلم \”الناظر\” 2000، ثم بلورها لتحمل على عاتقها بطولة فيلم كامل بنفس الاسم بعدها بعامين، الغبي الذي يتعاطف معه الجمهور لأنه يشعرهم بأن هناك في الدنيا من يتفوق عليهم في قلة الحظ وخيبة الأمل.. فيضحكون شفقة عليه وعلى أنفسهم ولسان حالهم يقول \”يااااعيني\”.. شخصية نحتاج فعليا أن نراها كمصريين على شاشة السينما في مصر لتواسينا  عن فشلنا المتواصل، وربما هذا هو سر نجاحها.

أحببت جدا فيلم \”اللمبي\” لسعد وعبلة كامل وحلا شيحة 2002، هو أجمل أعماله من وجهة نظري، فيلم بسيط عن مواطن بسيط، فيلم للضحك بدون فذلكة ولا ادعاء لمضمون عميق بين السطور، والحقيقة أن ما بين سطور هذا الفيلم كان في حاجة لدراسة وتحليل، فحياة اللمبي ومحاولاته العشوائية هي ملخص لحياتنا في مصر، لا رؤية ولا تخطيط ولا يحزنون، اللمبي \”الفيلم\” انتهى نهاية سعيدة، حيث أنقذت \”فلوس النقوط\” بطلنا وأخرجته من مأزقه، لكن لو قدر للمشاهدين الاستمرار في متابعة حياته بعد نزول تترات النهاية، كنا سنجدها بالتأكيد قد عادت \”للكعبلة\” المعتادة مرة أخرى، فالمقدمات حتما تقود للنتائج، ولا توجد معجزات على الأرض!

أثبت وقتها \”سعد\” أنه ملك \”كوميديا الفارس\” بجدارة، فالضحك الصاخب لعبته، والأداء الجسدي الصعب سواء في الحركة والرقص أو تعبيرات الوجه والتلاعب بالصوت هو أمر يجيده ببراعة.. والأهم أنه يعجب الجمهور وبالأخص الأطفال، الذين عادة ما ينجذبون لهذا النوع من الأداء المبالغ فيه.

هذا الأداء المبالغ فيه هو نوع من الفن أيضا، موجود في كل العالم ولا علاقة له بالابتذال أو غيره، فهو نوع فني له جمهور يفضله وبالتأكيد هناك من لا يفضلونه كأي نوع آخر من الفنون.

ومع ذلك كنت أتمنى أن ينطلق \”سعد\” لآفاق أرحب، ولا يقع في فخ الاستسهال.. قدم بعد انطلاقته في \”اللمبي\” عددا كبيرا من الأفلام.. تتغير أسماء البطل لكن السمات العامة لشخصيته لا تتغير.. اللمبي، عوكل، بوحة، كتكوت، كركر، بوشكاش، تتح.. تنوعات مختلفة للشخصية ذات الإمكانات الذهنية والمادية الضعيفة.

لم أجر استطلاعاً للرأي بين الجمهور حول تقييمهم لأعماله، لكن شباك التذاكر لم يحرمه من تقييمات تتراوح بين \”مكسر الدنيا\” وصولا \”لفيلم ناجح\” أو \”إيراداته معقولة\” على أقل تقدير، تزامن ذلك مع غضب دائم متصاعد لأعلى من جانب النقاد والمهتمين بالسينما \”الفنية\”.. الواضح أننا أمام فنان بقدرات كبيرة وقبول جماهيري يضيع جهده في الاتجاه الخاطئ ويرسخ لذلك عاما بعد الآخر، لدرجة جعلت من الصعب جداً خروجه من الدائرة الملعونة التي دخلها بإرادته أو بضغط من المنتجين للحصول على الإيرادات والرضا الجماهيري.

\”الدجاجة التي تبيض ذهباً\” لمحمد سعد والتي وضعته في مصاف نجوم الشباك بجدارة لسنوات.. أصبح عليه أن يذبحها لأنها لن تأتي له بأي شيء سوى المزيد من الخسائر الفنية وربما الجماهيرية أيضاً\”.. كان هذا ما يسيطر على ذهني قبل دخولي فيلمه الأخير \”حياتي مبهدلة\” قصة سامح سر الختم وإخراج شادي علي، والذي قررت دخوله في لحظة ملل باحثة عن ابتسامة بأي ثمن!

هذه المرة دخلت فيلمه وحاولت التفكير فيه بموضوعية، عادة لا نفعل ذلك في أفلام من هذا القبيل، فعادة ما يتم تناولها ككوب \”حاجة ساقعة\” في الجو الساخن بدون النظر في مكونات الكوب وفائدته من عدمها، المهم ندخل ونضحك ولا داعي للتفكير بالمنطق.. أو ندخل الفيلم نضحك قليلا ثم نخرج لنلعنه لشدة تفاهته.

لكن الحقيقة أن لكل شيء منطق، حتى الكوميديا لها منطق محدد وقواعد تحكمها..والفيلم هنا ينتمي إلى كوميديا \”الفانتازيا\”.. وأحداث الفيلم تعتمد على الخيال في المقام الأول، وبشكل عام فإنه أشبه بالأفلام الأمريكية المقدمة للأطفال، خاصة في مرحلة ما قبل المراهقة، على الأقل فكرة الفيلم وتركيبته كانت تؤهله لذلك، شخصية البطل المبالغ في تكوينها الحركي تجتذب الأطفال وعادة ما تثير الضحك، فضلا عن ملابسه التي تشبه ملابس الممثلين في الأفلام ذات الطابع الخيالي الفكاهي التي تقدم للمراهقين في السينما العالمية، و\”نيكول سابا\” بوجهها الجميل وأدائها البسيط الذي يذكرنا بفتاة الأحلام أو الأميرة الجميلة التي قد نراها في أفلام ديزني.

إذا نظرنا للفيلم في هذا الأطار، فربما كنا سنستقبله كفيلم جديد ومختلف قام بتوظيف الفانتازيا والخيال لخلق أجواء إثارة أقرب للرعب، لكن بطريقة كوميدية، واجه فيه البطل الغلبان قوة شريرة بسبب خطأ قام به، مما جعله يخوض رحلة لمقاومة الشر، حيث قامت بدور الشريرة في الفيلم الفنانة الكوميدية إيمان السيد، لينتصر البطل \”تتح\” في النهاية ويفوز بقلب فتاة أحلامه بعد أن أثبت أنه بطل بالفعل رغم ضعف مؤهلاته وامكانياته!

الفيلم كان من الممكن أن يخرج بطريقة أفضل، مجهود بسيط وكان يمكنه إصابة هدفين برمية واحدة، لأنه لا تعارض أصلا بين الضحك والجودة الفنية، فقط كان المطلوب حبكة أكثر للدراما وللنص المكتوب.

فرغم أن الفيلم يعتمد على حادث غير مقصود يصيب البطل بلعنة تدخله إلى العالم الخيالي للفيلم، إلا أن المشاهد يجد نفسه مضطرا لمتابعة أحداث فرعية عبارة عن مجرد \”حشو\” لمدة نصف ساعة كاملة في بداية الفيلم وقبل أن نعرف قصة الفيلم أو حتى أي ملمح منها، نصف ساعة تحكي عن حياة تتح وعالمه كان يمكن اختزالها في عشر دقائق لإضفاء المزيد من التشويق الضروري خاصة في فيلم من هذه النوعية، لكن بدلا من ذلك شاهدنا مواقف وإيفيهات وطنية وسياسية و\”شتيمة\” في قناة الجزيرة، وسخرية من شكل أحد الممثلين كمحاولات خائبة لجذب ضحكات أو صرخات إعجاب من الجمهور بدون أن يخدم ذلك فكرة الفيلم، التي كانت أصلا وحدها تحتمل إضفاء المزيد من الثراء على الأحداث.

بعد مرور دقائق من الحدث الرئيس في القصة يفاجئنا الفيلم مجددا برقصة كاملة للراقصة صافينار مقحمة تماما على الأحداث، فالمرأة الشريرة تتجسد للبطل في صورة امرأة جميلة، فننتقل فجأة لمشهد راقص بكل البهارات المعتادة في الأفلام الشعبية وبلا مقدمات، الحقيقة أن حضور \”صافينار\” بالفعل يضيف لأي فيلم خفة دم وديناميكية، خاصة مع حب الجمهور لها، لكن كان من الأولى تقديم المشهد بشكل استعراضي مختلف يلائم طبيعة الفيلم وما به من \”فانتازيا\” وكان ذلك سيحسب كنقطة لصالح صناع الفيلم، لا أن نجد أنفسنا أمام فرح شعبي كامل، ثم يعود المخرج من هذه الرقصة الى الأحداث الخيالية لاستكمالها بطريقة عادية جدا كأن الرقصة لم تكن!

الممثلان أحمد فتحي وحمادة بركات، أو صديقا البطل كان لهما حضورا جميلا في البداية، لكن تم بتر دوريهما فجأة بشكل تعسفي، وبالتالي لم يكتمل الخط الدرامي لهما، وكأن هناك من رأى فجأة أنه لا لزوم لهما في قصة الفيلم.

في المغامرة الأخيرة للبطل تتح مع حبيبته نيكول سابا أو \”فاتن\” انتقلت أجواء التصوير فجأة من أجواء الحارة المصرية لأجواء هاري بوتر أو أفلام مغامرات المراهقين الأمريكية الخيالية، فالذي يقارن بين المشاهد الأولى والمشاهد الأخيرة من الفيلم قد يعتقد أنه أمام فيلمين مختلفين تماما، سواء في الموسيقى والمؤثرات أو التصوير وأسلوب الإخراج.. مما أخل بالحالة العامة أو الإيقاع الذي من المفترض أن يظل متوازناً خلال زمن الفيلم.

بذل \”سعد\” جهدا كبيرا واضحا جدا في الحفاظ على طريقة أداء حركي غريبة بهدف جذب الضحكات، لكن المشكلة أن طريقة نطقه قد صعبت الأمر على المشاهدين، فمعظم الكلمات التي تفوه بها لم تكن مفهومة وكان على المشاهد بذل جهد كبير لفك طلاسم ما يقوله \”تتح\”.

لن أقول إنه كان على سعد توفير الجهد الفائق في رسم شخصية صعبة في حركتها وأدائها، وبذل هذا الجهد في العمل على النص المكتوب، لأنه لا مانع من بذل الجهد في الاتجاهين معا، الشخصية ذات التركيبة الغريبة التي يعشق\”محمد سعد\” تقمصها، وبعض الجهد أيضا في خلق نص متماسك ومشاهد ذات إيقاع سريع، وربما اسم به جاذبية وابتكارا أكثر قليلا من \”حياتي مبهدلة\”.. ربما لو أخذ صناع الفيلم ذلك في الاعتبار ربما كنا شاهدنا فيلما مختلفا يستحق التقدير لفنان يتمتع بامكانيات فنية كبيرة، لكن عليه فقط أن يحسن استغلالها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top