أحيانا تكون الحقيقة واضحة أمامنا كالشمس, ولا نعترف بها إلا عندما يعمي نورها أعيننا! فكلنا يرى ما آلت إليه الأمور منذ ثورة يناير إلى الآن.. النظام الذي قامت الثورة ضده \”براءة\”, ومن قاموا بالثورة \”مجرمون\” ! السلطة العسكرية هي الحكم, مدعومة بالسلطة الدينية ممثلة في الأزهر والسلفية والكنيسة.
إن السلطة الحالية تقوم بشكل هرمي لا يمكن مواجهة أحد أضلاعه دون الآخر, قمة الهرم \”السلطة العسكرية\”، وقاعدة الهرم \”الأزهر والكنيسة\”.
مواجهة أيا منهم دون الآخر هو الخطأ الجسيم, وهذا ما نعاني منه على مدار أربع سنوات من الهم والدم والثورة, وهذا ما أوضَحه الدكتور فرج فودة في أوائل تسعينيات القرن الماضي حيث قال: \”في غياب المعارضة المدنية سوف يؤدي الحكم العسكري إلى السلطة الدينية – وهذا ما حدث- ولن ينزع السلطة الدينية من موضعها إلا الانقلاب العسكري – وهذا ما تم بالفعل – الذي بدورهِ يسلم الأمور بعد زمن يطول أو يقصر إلى سلطة دينية جديدة… وهكذا, وأحيانا يختصر البعض الطريق ويرتدي العمامة فوق الزى العسكري – وهذا ما نعيشه بالضبط -!
وهنا مربط الفرس \”المعارضة المدنية\” منذ إندلاع ثورة يناير ونحنُ نعتمد على مجموعات وحركات مهلهلة -في رأيي- لا تعرف غير الهتاف والثورجة والبحث عن الإعتصامات, دون وجود رؤية سياسية \”لاحظ كلمة سياسية\” لها, ومن هنا يبدأ التصادم مع الشارع, حيث إن المواطن العادي لا يوجد في مصطلحاته إضراب عام, أو يسقط حكم العسكر والذي يراه إهانة للجيش, أو أن الأزهر مؤسسة تُصدر العنصرية من خلال مناهجها, أو أن الكنيسة تُسيطر على شعبها وتوجهه \”لاحظ كلمة شعبها\”، فتظل تلك الحركات والمجموعات المهلهلة في نضال مُفرغ المعنى \”لأنه لا ثورة بلا شعب\”، ويظل النظام يقوي شوكتهُ معتمدا على تلك التحركات من هذه الحركات التي يُصدرها إعلام النظام على أنها مموله وصاحبة أجنده خارجية, ولا تريد البناء وليس في مصطلحاتها غير الهدم.
والحل قدمه فرج فودة في دائرة مفرغة, ولينين عندما قال في كتابهِ \”الدولة والثورة\” إن النظام الرأسمالي – استبدله بالنظام العسكري – يقيم سلطتهُ على أساس مكين ومضمون, لحد لا يمكن لأي تبديل في الأشخاص ولا المؤسسات ولا في الأحزاب أن يزعزع هذه السلطة \”، وهذا ما يحدث على مدار الأربع سنوات الأخيرة, فقط نغير الأشخاص والسياسيات كما هي, والنظام نفسه لم يهتز, وكي نواجه هذا النظام العنكبوتي ونتخطى دائرة فرج فودة المفرغة, ونواجه السلطة بشكلها الهرمي على حد سواء, لابد من التكتل الحزبي والحركي والتنوير والتوعية, فليس من المنطق أبدا أن يكون عنصر الشباب الذي حرك الثورة بموجاتها الثلاث يمثل أكثر من 60% من قوة الدولة، وليس له حزب يمثله! والأكثر إهدارا للمنطق أن يكون عدد الأحزاب والحركات الثورية يتخطى المائة, وقوة الشباب فيه لا تصل إلى 2 % – في رأيي- من كتلتها الحقيقية, ولا وجود لكيانات تنويرية أصلا, اللهم إلا الحزب العلماني المصري تحت التأسيس.
الخلاصة.. يجب أن تُعلن القوى المدنية توجهها وبقوة نحو حزب ما من الأحزاب الحالية, أو إنشاء حزب جديد يتم دعوة كل القوى المدنية إليه, بحيث يكون القوة الضاربة التي تتبنى الحراك الميداني والسياسي والتنويري على حد سواء , ولا أرى أن هذا مستحيلا.. المستحيل هو عدم البدء فورا في التنفيذ, وليتبنى الخطوة أيا من الذين ينالون ثقة الشباب حتى الآن \”موجودين والله بس يسترجلوا شوية\”, فلو استمر الوضع على ما هو عليه, لن يصل صوتنا أبدا إلى العوام, ولن يتبلور مجهودنا إلى الوصول إلى سدة الحكم, ولن يُصبح الشباب خصوصا \”غير شوية عيال مش فاهمة\” والقوى المدنية عامة \”غير ممولين عايزين يخربوا البلد\”, والمرأة عورة, والأزهر مَصدر التنوير رغم \”لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام, وجواز زواج الصغيرات في الشريعة \”, والكنيسة شعب وما دونها شعب آخر.
ثورة بلا سياسة إلى زوال, وسياسة بلا تكتل، قصر أجوف, وليتنا نُسمع.