يروى أنه كان هناك إحدى البلاد.. تولي أمرها أراذلها، وتجملوا وقالوا لأهلها معسول الكلام، ووعدوهم بتحقيق الأحلام، وقالوا تحيا، ولم يكن أمام هؤلاء الأراذل من عقبات سوى بعض الشبان والشابات الذين كانوا يسألون: تحيا في أي ناحية؟
فاجتمع الأراذل ودبروا أمرهم للخلاص من أصحاب هذا السؤال، وأطلقوا عليهم كل من هب ودب بالقيل والقال، ووعد كبير البصاصين أنه سيسجنهم أجمعين، فقال له كبير الأرذال: لو سجنتهم سيظن الناس أننا متجبرون، فقال له إن شاء المولى كله بالقانون، وكان في المدينة قرد اسمه شحاتة.. يجيد لغة البشر ومشيتهم ووهبه الله نصف ما على الأرض من عمى القلب والغتاتة، وخرج الأراذل على أهل البلاد، وقالوا: كي نضمن الحياد.. يجب أن ينظر مظالمنا من ليس من بني البشر، فلا مصلحة له في ظلمكم وسيعفو إن قدر.
ومن عجائب الزمان أن هذا الكلام قابله استحسان بنو البشر، وجيء بالقرد شحاتة، وقابله كبير البصاصين، وقال له: ستكون كبيرا للقضاة، فهلل شحاتة، وأخذ يقفز بسعادة، فنهره كبير البصاصين، وقال له: بطل تنطيط، واتعلملك حركتين من بتوع البني آدمين، وأنت خارج هيدوك نضارة وبدلتين تلبسهم وتتشيك كده وتقرالك من القانون كتابين، و لا تأخذك بأحد ممن سنرسلهم لك شفقة ولا رحمة، عايزهم كلهم مساجين، فقال له القرد شحاتة: إنت تؤمر يا سيد المعلمين.
وخرج شحاتة ، وجلس علي مقعد قاضي القضاة بكل ألاطة ، ونادي هاتولي المتهمين، فجاءوا بشاب بدا لشحاتة صيد ثمين، ونادي عليه: اسمك وسنك ومهنتك، فسأله الشاب: أنت مين؟ فقال القرد: أنا قاضي القضاة يا ولد.. اسمك وسنك مهنتك؟ فقال الشاب بس أنت قرد.. إزاي تبقى قاضي؟ فقال القرد شحاتة: اسمك وسنك ومهنتك، ولو فتحت بقك تاني هطلع البلا على جتتك.
فقال الشاب: أنا مش هتكلم غير قدام بني آدم من جنسي.. أنت قرد.. مينفعش تنظر مظلمة.
فقال شحاتة: طب حبس تلات سنين بتهمة إهانة المحكمة.
وخرج منادي الأراذل ينادي في الأسواق: المتهم فلان أهان قاضي القضاة، وقال عنه قرد.. شفتوا آخرة الحرية؟ شفتوا الشباب اللي مش متربية؟ فقال الناس في السوق، ولكنه قرد بالفعل؟ فأين الإهانة يا بغل؟! عموما مالناش دعوة بالموضوع، خلينا ف أكل عيشنا وإلا نموت م الجوع.
وفي الجلسة التالية جاءوا بالشاب إلى القرد، فقال له:
أنت متهم بالحرية ؟ فقال الشاب: الحرية ليست تهمة. فقال القرد للكاتب: اكتب عندك أن المتهم قد اعترف بذنبه وأقر وقال إنه حر.
أنت متهم بالاعتراض على حكم أسيادي ووصفهم بالأراذل؟ فقال الشاب: هما أسيادك لأنك قرد، إنما أنا إنسان وماليش أسياد.. إحنا كلنا زي أسنان المشط وكلنا عباد الله، فقال القرد للكاتب: اكتب عندك أن المتهم اعترف بذنبه وأقر بأنه يطالب بالمساواه.
أنت متهم بالثورة، وهذا ذنب عظيم لأنك زعلت الزعيم الأوحد؟ فقال الشاب: مفيش حاجة اسمها زعيم واللي يزعل يزعل، وإحنا عملنا ثورة علشان حق المظاليم. فقال القرد للكاتب: اكتب عندك أن المتهم اعترف بذنبه وأقر أنه ضد الزعيم.
ثم رفعت الجلسة وخرج القرد شحاتة وقال: لأنه اعترف بذنبه وأقر بأنه حر ويطالب بالمساواه، ويقول أنه عبد فقط للإله وإنه شارك في الثورة على الزعيم الأوحد، فقد حكمنا على. المتهم بالمؤبد
فقام الشاب بالتصفيق للقرد شحاتة، وقال الأخير بكل غتاتة: أنت بتصقف لي؟ فاكر نفسك فين؟ أنا ممكن أديك كمان تلت سنين.
وظن القرد أنه ناج بطاعته لكبير البصاصين، لكن الله يمهل ولا يهمل، ويوما ما سيضع حدا لبواخة الحكاية، ويرجع القرد للجبلاية.