كتبت الاقتراح الأول للعنوان «من يحكم مصر؟»، وخشيت أن يساء الفهم، وكتبته «سيارة الله لا تعترف بقواعد المرور في شارع الهرم»، ورأيت أن البعض ربما يأخذه على محمل الهزل في وقت حداد عام على ضحايا ركاب الطارة المصرية. ثم كان «مصر في بعث جديد»، تيمنا بعنوان أحد مقالات صفحة «لقاء مبارك مع المثقفين.. بأقلام كتاب الأهرام»، وقد خصصتها الأهرام في 2 أكتوبر 2010 لشهود زور قابلوا حسني مبارك، يوم 30 سبتمبر 2010.
كان قائد السيارة التي تحمل مصادفة حرفيْ «رب» ـ يسير كإله، ولكن الميكروباص سبقت السيارة «رب»، وهذا أسعدني قليلا، ونزلت من الميكروباص وذهبت إلى الجزيرة الوسطى حيث ضباط شرطة في كمين أمام مسرح الزعيم. ضحيت بمسافة سأمشيها على أن يأخذ القانون مجراه.. القانون الذي أتاح لشرطي بسيط أن يوقف الأمير تشارلز حين تخطى السرعة، وأن يحرر له مخالفة وعليه أن يدفعها في الغد في قسم الشرطة، وهناك ضوعفت له الغرامة لأنه أمير، قدوة في الالتزام بقواعد المرور، مع تحذيره بأنه لو خالف مرة أخرى فستسحب الرخصة، ولن يسمح له بالقيادة في الشارع، وستكون السيارة مجرد لعبة داخل القصر، وقد كان.. ولكن في بريطانيا العظمى، لا في مصر الصغرى الذي لا أحد يعرف من يحكم شوارعها، ويحمي بلطجية تظاهر بعضهم بدون ترخيص، ورقص أمام حواجز نقابة الصحفيين (الأربعاء 18 مايو) على موسيقى «تسلم الأيادي».
كانت الساعة 2 فجر الجمعة (20 مايو)، وانتظرت دقيقتين حتى تصل السيارة «رب»، وأنا أدعو الله ألا يمر أحد من أصدقائي الكثيرين المقيمين في الهرم فيلمحني واقفا مع رجال الشرطة، وهي شبهة كبرى؛ لاقتران أي مدني يقف بينهم بسيئي السمعة ممن يحملون كود «المواطنين الشرفاء». قلت للضابط إن السيارة ـ التي لم أستطع وأنا في الميكروباص أن أقرأ حرفيها «رب» ـ تمشي بلوحات مطموسة، لا يظهر فيها رقم ولا حرف. ثم جاءت السيارة، وهات يا سلامات وترحيب، وأهلا يا باشا. كانت الدنيا زحمة، فلم يغادر الباشا سيارة الرب، وانحنى الضباط ليقبله قبلتين، وأنا خجلت ولم أملك إلا التدقيق في اللوحة ( ر ب 5173 ). أقسم الضابط أن قائد السيارة ضابط في الجيش. ولم يكن معي قلم لأني جئت من القهوة، وخشيت أن أنسى بيانات سيارة الرب، وكاميرا تليفوني العتيق لا تسعفني في مهمة صعبة، ولا تستطيع تصوير بيانات لوحة «رب» المطموسة، فضلا عن خطورة فكرة التصوير في كمين ليلي. واستعرت قلما من كاشير في مطعم الشبراوي، وكتبت (ر ب 5173)، وفي الطريق إلى شارع العريش قابلني الضابط، فقلت له: على فكرة أنا سجلت بيانات اللوحة، فأقسم من جديد أن الشرطة غلابة، وأشار إلى سيارة تقف بدون أرقام لمواطن لا لضابط.
كل ما استدعته ذاكرتي أمر واحد لا شريك له.. جنون واستعلاء ضباط وأعضاء البعث، حين حكم العراق كحزب فوق القانون. ونسيت أن أسأل الضابط: من يحكم مصر؟ ربما هز رأسه وأجاب: جمعة مباركة!
(3 فجر الجمعة 20 مايو 2016).