يعرض هذا المقال الذي يعد الأطول مما تم نشره في جريدة موسكو تايمز سردا تتفصيليا لكيفية فرض الكرملين لقبضته الحديدية على روسيا بمساعدة الإعلام الروسي الموجه، وكيف انتهى الكرملين في الفراش مع الإعلام.
إن أكثر لحظات الإنسان صدقا وقداسة، تكون في الفراش، وكذالك أكثر اللحظات فجرا وعهرا تكون أيضا في الفراش، فأي هذه للحظات اختارها الإعلام الروسي عندما انتهى في الفراش مع الكرملين وإلى أي مدى تتشابه الحالة الإعلاميه الروسية مع نظيرتها المصرية.. كيف يتحكم الكرملين في البلاد بمساعدة الإعلام الموجهه؟ إنها قصة مريرة عن كيفية تخلي الإعلام الروسي – أحيانا قصرا أو بالإكراه- لكن في الغالب طوعا وأحيانا كثيرة بحماس، عن دوره المقدس في إعلام الجماهير بالحقيقه إلى خالق لواقع وهمي وحقيقة مزيفة يتصارع فيه الأبطال والأشرار الوهميين بشراسه لتدمير روسيا، والعنصر الأساسي في هذه الحرب المزيفة هو خلق البطل الوهمي الذي لا يقهر، والذي يعتمد عليه العامة اعتمادا تاما في إنقاذهم من أي أخطار قد يواجهونها، وهنا هو الرئيس فلاديمير بوتين، أما هنا، فهو الرئيس عبد الفتاح السيسي.
إن مفهوم الرقابه الجديد يتخطى المعنى الكلاسيكي للمصطلح (رقابة)، ويتعداه ليصل ويتحكم ليس فقط في الأخبار والمعلومات، بل في الفن أيضا.
الرئيس وكبار مسئوليه يستخدمون وسائل الإعلام المختلفة كأداة لتشكيل وتوجيه الرأي العام، مما ينتج عنه قبول العامه لأي أجندة مزيفة لا تستند إلى أي حقائق ملموسة أو موثقة.. فقط بروباجندا إعلامية.
إن الرقابة الجديدة تشبه الورم السرطاني الذي يهاجم جسد الإعلام العليل من الداخل، ويزيح كل شي ذا قيمة أو حيوية خارج هذا الكيان، ويحل محله كل شئ مريض ويتخطاه ليصل إلى المجتمع بأكمله.
وكعادة الدعاية الشيوعية، فإن مبادئ هذه الرقابة الجديدة تعتمد على المفهوم الأوروبي للفكر المزدوج على أساس من سياسة الدولة، وبحكم التعريف.
إن التردي البالغ الذي وصل إليه الإعلام الروسي، يتجلى بوضوح في موافقه وسائل الإعلام على شروط الرقابة الجديدة ضمنيا لضمان البقاء على قيد الحياة، والمدهش أن عددا كبيرا منهم لا يكتفي بالموافقة على التلاعب بالشعب، بل يذهب أبعد من ذلك في تقديم أفكار إبداعيه لترسيخ هذا التلاعب لإثبات الولاء والخضوع التام للسلطة والنظام الحاكم. – أحمد موسى وعكاشه كمثال في مصر – عنصر آخر من عناصر الرقابة الحديدة، هو عنصر انتقاد الذات لامتصاص المعارضين.
الرئيس وكبار مسئوليه يستخدمون الإعلام الذي ارتضى أن يلعب دور العاهرة، والذي أصبح أحد أهم أذرع النظام كأداة لتوجيه الرأي العام نحو ما هو أجندة مزيفة.
يعمل النظام الذي لم يعتمد فقط على استغلال الإعلام في تضليل الرأي العام، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثيرن حيث تخلل الفنون والآداب والأوساط الأكاديمية أيضا، يعمل من خلال عدة محاور، من أهمها المنح والدعم المقدم من الدولة لوسائل الإعلام الحكومية (التي تقع تحت سيطرة الدولة) لضمان بقائها على قيد الحياة، وعن طريق منح أو منع هذه الأموال الحكومية، يستطيع النظام التحكم في المحتوى الإعلامي لهذه المؤسسات (الكيانات) التي تعج برجال النظام كالورم السرطاني.
وعن كيفيه إدارة أجندة الإعلام في منظومة الرقابة، يتم استدعاء رؤساء التحرير إلى مقر الإدارة الرئاسية لإطلاعهم على الإحاطات السياسية والمستجدات المسموح بنشرها، بالإضافة إلى الخطوط الساخنة التي تربط رؤساء التحرير والكرملين مباشرة، وعن طريق هذه الممارسات يستطيع النظام استبدال المادة الصحفية الإعلامية الحقيقية بأخرى مزيفة، والتلاعب بمشاعر المواطنين وإثارة مخاوفهم وتوجيههم على نحو فعال إلى بناء واقع وهمي (مزيف) يعتمد على بطل أسطوري لا يقهر (بوتين) وهذه نتيجة حتمية لتدهور نزاهة التحرير.
وفي قلب الرقابة شبكة من المخبرين المتطوعين أو مدفوعي الأجر، نشأت على أساس الولاء الأعمى للنظام، ويتم تمويلها بأموال مرتبطة بالرشاوي الصحفية.
(المواطنين الشرفاء) – تامر بتاع غمرة- إن تحويل الأخبار إلى عروض أقرب ما تكون إلى الترفيهية، قد لعب دورا أساسيا في ترسيخ ونشر الأجندة الوهمية (المزيفة) للنظام، وعن طريق هذه الممارسات واصل النظام بث ما يريده فقط من أكاذيب للمواطنين من أكبر لأصغر التفاصيل مع عدم اختفاء الحقيقه بل منع نشرها فقط.
إن جوهر الرقابة هو نقل ما تراه مركزية بوتين.. روسيا لا تحتاج إلى أجندة تستند إلى معلومات حقيقية، بل على العكس تماماً، فإن إدارة المجتمع الروسي الفاقد للكمال (الأهليه) من وجهه نظر النظام، لابد أن تعتمد على أجندة إعلاميه يسيطر عليها النظام بالكامل وإحكام قبضته الحديدية على وسائل الإعلام المختلفة بما فيها ليس فقط برامج إخبارية وسياسية، بل فنون وآداب وصولا إلى الترفيه أيضا.
إن الحالة الإعلامية المصرية ليست أقل عهرا من نظيرتها الروسية، بل تكاد تتطابق معها تماماً، بل وتفوقها، فإن النظام المصري الممثل في الرئيس ورجاله يقبضون بيد من حديد على وسائل الإعلام المختلفة والثقافة والفنون وحتى الرياضة والدين، ويبقى الأمل في وسائل الإعلام المستقلة لبث الحقائق وفظائع ممارسات النظام.