سامية بكري تكتب: اختلف يا صديقي وسأنتظرك على حائطي

قال لي الصديق العزيز، وقد بدا متبرماً أنه سيغلق حسابه على الفيسبوك، ولن يشير إلى أي من مقالاته وكتاباته بعد ذلك إذا استانف التواجد عليه، فالجميع يريدك أن تكون صورة منه وعاكسا لآرائه كمرآة، فإذا جاءت آراءك وكتاباتك تشبهه، فأنت أعظم مفكر وأكبر كاتب، وإذا جرؤت على مخالفته والإتيان بما لا يوافق هواه حول شخص أو قضية أو موقف أو حدث، فأنت لا تفهم على – أقل تقدير – ناهيك عن أنك قد تكون مغيبا لأنك لم تصل إلى الحكمة التي ترقد وراء تلافيف دماغه، التي هي بالضرورة الأكثر عبقرية.

هدأت من روع صديقي وقلت له: شوف يا عزيزي.. اكتب براحتك وشير براحتك، ولا تغلق حسابك إلا إذا كان في ذلك ضرورة لانشغالك بعملك، فهكذا الحياة، ومثلها الفيسبوك في بلدنا التي عاشت فيها كل طايفة من التانية خايفة، لأننا حتى من شارك منا في ثورة من أجل الحرية، وحتى من استشهد يوميا على الوول من أجل احترام حيوانية كلب وعدم حبس قطة، مازالت عالقة بنا شوائب من زمن وثقافة التفكير الأوحد ووجهة النظر الصائبة بالضرورة مضفرة بعدم احترام اختلاف الآخر وتوبيخه على رأيه، رغم أن الأصل في الأشياء هو الإختلاف أطيافا وألوانا وبشرا وفكرا ومشاعر وتجارب.

احكي لك عن مواقفي مع الكبير الراحل – الذي عشقت شعره وفنه – عبد الرحمن الأبنودي، فلم يكن لي حظ استضافته كصحفية، فقد رفض ذلك مرة بحسم حين كنت صحفية صغيرة اتعامل مع مجلة عربية بالقطعة، وبعدها بشهور قليلة وبخني لأنني طلبت على التليفون الأرضي زوجته الإعلامية نيهال كمال، لأجري معها حوارا.. قائلا إنها مشغولة ببيتها وأولادها، وسيبوها في حالها.

لا أخفيك سرا يا صاحبي، لقد كرهته وقتها، وانطبع في ذهني فكرة أن كثيرا من الفنانين والكتاب مدعين، وفنهم العظيم واعجابنا به شيء، أما تعاملنا الإنساني معهم، فهو شئ آخر.

هل يخول لي ذلك أن اكره الأبنودي شخصيا وإنسانيا؟! لماذا مفترض منه أن يرحب بي في أوقات لا تناسبه؟ ولماذا أصلا مفترض به أن يكون ملاكا كما رسمته في مخيلتي وقتها؟

يشبه ذلك قليلا ما ثار من جدل حول تحول آراء الخال – كما يسميه المثقفون- فتحول آرائه السياسية، أو مساندته للثورة من عدمها، أو مساندته للسلطة من عدمها.. كل ذلك لا يمنع أن احترم فنه، وحتى على افتراض أنني لا احب فنه.. ماذا يضيرني من فلان الذي يحب فنه ويقدس مواقفه؟ لماذا لابد أن اكون أنا بالضرورة صاحبة وجهة النظر الصائبة؟

اكتب يا صديقي، وعبر عن وجهة نظرك ومشاعرك كما يحلو لك، وعلى المتضرر اللجوء إلى حائط حسابه الفيسبوكي، أو زاويته الصحفية ليعبر عن اختلافه معك.

لا أحد منا منزه عن الهوى وعن احترام وحب من يكرهه غيره، وربما كان ذلك درسا تعلمته خلال الأربع سنوات الماضية بأحداثها المتشابكة وتحولاتها، فما كنا نصرخ في وجهه، صرنا لا نملك إلا السخرية منه على الفيسبوك، وما كنا نواجهة بالمظاهرات، أصبحنا نواجهة بالقلم، وما كنا نتوق لتغييره.. جاء الأكثر قبحا منه.. إذن \”نهدى كده ونفكر\”، ونتحمل اختلافنا عن بعض في تلك القرية الصغيرة التي بقيت لنا، لنعبر عن اختلافنا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top