كنت قد قررت اليوم أن أعود من عملي إلى البيت سيرا على الأقدام.. الشوارع مزدحمة بشكل جنوني في الأيام التي تسبق الأعياد، والجو جميل، والبيت قريب، وقد ذهبت إلى العمل صباحا بتاكسي تفاديا لعذاب القيادة في هذا الإزدحام ثم رحلة البحث عن ركنة.
ولقد اتخذت قرارا أريدكم جميعا أن تساعدوني عليه.. لقد قررت أن أتخلي تماما ونهائيا عن أي وسيلة مواصلات من و إلى عملي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير أتمشى معها كأي مواطن آخر!
بجد المشي في مصر الجديدة ممتع ومنجز وجميل، بإستثناء طبعا بعض السخافات المعتادة والتي لا ترتقي إلى مرتبة التحرش، واللي بتتعرض لها أي واحدة بلا إستثناء، حتى لو كانت أنثى بعوضة الأنوفليس!
بس بغض النظر عن الطفيليين، والحذاء غير المناسب.. المشي في مصر الجديدة فعلا ممتع! ينقصه مزيكا، وحذاءا رياضيا، وبندقية رش، وتبقى اتعشت!
وعلى ذكر كلاسيكيات المعاكسة، والكليشيهات المهروسة، والإجتهادات التي قتلت بحثا.. أود أن أتطرق بشيء من الدراسة التحليلية والإستنباطات الإنطباعية المبدأية لأنواع \”المعاكسات\”، ولا أقول \”التحرش\” توخيا للدقة، وحرصا على الأمانة العلمية.
فكما أشرت أعلاه، هناك المعاكسة التقليدية المعروفة، والمطروحة غالبا في صيغة سؤال، والسؤال يكون بضمير المخاطب للمذكر: (طب بالذمة مش حرام عليك كده؟).. (الجميل رايح فين؟).. (ومنين بيجي الشجن؟).. (ماشي لوحدك ليه يا بطل؟).. (قول لي يا عسل! هي ماما نحلة؟)، وحاجات ملزقة من القطعية دي.. سمن بلدي جاموسي فاخر.. كامل الدسم!
ثم يأتي النوع المثير لخليط من الشفقة والغثيان، الرومانتيكي المرهف! صاحب الطلعة الشهيرة البائسة: (صدقيني أنا مش بعاكس، بس…) أو (أنا أول مرة أكلم واحدة في الشارع، بس…) مستخدما نبرة صوت مرضى القلب وقصور الشريان التاجي، مع تعبير وجه الأرنب النيوزيلندي الأبيض! النوع ده بأه يسهل التخلص منه بتهويشة زي تهويشة (يوسف الحسيني) لمهاجميه في مطار نيويورك كده.. هيفتح سبرينت ويذهب إلى حال سبيل مُحنه.
وهناك النوع المجتهد، الذي لا يدخر جهدا.. مسرحي الأداء، جهوري الصوت، كثير الحلف والقسم.. ده غالبا بيقف مأمبر سنة، وبيشوح بإيده بقوة، ويأدي بأة: (طب والمصحف الشريف أحلى من صفاء السبع).. (تلاتة بالله العظيم برنس).. (عليا الطلاق الأسفلت بيزغرط).. راجل مبالغ فيه، وكداب كدب الإبل!
ودعونا لا ننسى مريض الفصام المعروف، وهو نوع محير وضبابي، واختلفت عليه الآراء! إنه المتحرش الورع يا سادة! الرجل التقي المتدين، ذو اللسان الرطب بذكر الله.. و ده بأة بتاع الأدعية والتواشيح والإبتهالات، زي (اللهم صلي ع النبي).. (اللهم صلي على كامل النور).. أو (بسم الله ما شاء الله عليكي وعلى حلاوتك).. أو (إيه الجمال ده يا رب؟ لا حول ولا قوة إلا بالله).. أو (يا دين النبي يا جدعاااااان)، (سبحان من أبدعك) وجو الإبتهالات ده! النوع ده بأة بيثبتك شوية.. لأن مافيش رد بيكون مناسب للحالة الفصامية دي.. طب بالذمة ده تقول له إيه؟ بارك الله في أبو شكلك؟ ولا اللهم قوي إيمان ميتين أهلك؟!
و أخيرا و ليس آخرا، النوع الأغرب على الإطلاق.. النمط الذي حير علماء الإجتماع وكبار المحللين النفسيين وواضعي نظريات علم الجمال! إنه السباب اللعان! وهو الذي يستخدم السباب والألفاظ النابية كنوع من الإطراء المتطرف والإستحسان العنيف! على سبيل المثال لا الحصر: (ميتين أم حلاوتك يا شيخة).. ( يخرب بيت أم الطعامة).. ( يلعن أبو أم عنيكي).. تحس إنه فاضل له 20 ثانية ويتف عليا من فرط الإعجاب، أو يظرفني بونية في خلقتي الساحرة، يطبعني علي الرصيف أو يبروزني على عامود نور! ياللا يابن المهبوشة! مش ناقصة مجاذيب كمان!
كان هذا موجزا ملما بمعظم أنماط المعاكسة المتوقعة من رجل الشارع المصري المتوسط.. التجاهل خير وسيلة لتمرير المواقف السابقة، بس برضه البندقية الرش سلاح رادع وبيدي هيبة كده، سن نملة الدبانة، وعيارين في الهوا.. ترهب العدو!
جدع يا باشا!
(يا دهوتي ع الصوابع اللي زي صوابع الموز! يا خرابي ع الدراعات اللي زي لمض النايلون! ماتتعبيش نفسك، الكهربا عملت كونتاكت!)