اختبر منذ وفاة أبي إشكالية تربوية جديدة وشائكة وصعبة، تتلخص تلك الإشكالية باختصار في محاولاتي الحذرة لتبرير موت أبي لأولادي وتفسير هذا الحدث الجلل وشرح أسبابه من جانب، والإجابة عن وابل من الأسئلة الصعبة المتعلقة بالموت وما بعد الموت أو عن إمكانية عودة جدو سعد ورؤيته من جديد، وما إلى ذلك من جانب آخر، على أن يتم كل ما سبق بطريقة مبسطة تراعي فھمھم وإدراكهم، وأن يكون بشكل غير صادم أو مضلل أو مختلق، ولا أجد غضاضة في بعض الأحیان في الاعتراف بأنني لا أمتلك بالضرورة إجابة لجمیع الاسئلة، وأن ھناك بعض الأشياء التي تخفي على الكبار أيضا.
وعليه.. تمر الأيام على هذا المنوال، وأنا اتعرض بشكل شبه يومي لمختلف أنواع الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع المؤلم والمنهك عاطفيا، والحق أن الأسئلة تتأرجح بين الجد والهزل، فأجد أسئلة من نوعية: ماما.. هو ربنا بيطبخ لجدو سعد في الجنة؟ ماما.. هو إحنا ليه مش بنكلم جدو سعد علي skype؟ هو مفيش نت في الجنة؟.. ماما.. طب هو ربنا عارف إن جدو سعد بيشرب الشاي بدايت سويت؟ هو في دايت سويت في الجنة؟ وأشياء من هذا القبيل!
واليوم.. كنت أنام بجوار \”يحيى\” في السرير، نتجاذب أطراف الحديث، إلى أن تفتق ذهنه عن السؤال الآتي:
يحيى: ماما.. مش نفسك تموتي بأة؟
أنا – وقد باغتني السؤال- أموت؟! لا الحقيقة مش نفسي أموت.
يحيى: ليه بس؟
أنا: لسه شوية يا يويو، مش الأول أكبر وأعجز وأجوزك أنت وآدم واجرب البوتوكس والفيلرز و الحاجات دي؟
يحيى: لا أنا عايز أموت طبعا.
أنا: لا يا روحي بعد الشر.. ليه عايز تموت؟ إيه مشكلتك في الدنيا؟ عندك homework كتير؟ عندك إمساك؟
يحيى: لأ لأ.. بس علشان أروح عند ربنا بأة في الجنة، مش ربنا هايجيبلنا في الجنة أي حاجة إحنا عايزنها؟
أنا: آه طبعا
يحيى: طيب.. أنا عايز أروح بأة الجنة علشان أقابل power rangers وكل الـ super heros والعب بكل الألعاب اللي في الدنيا.. واشوف جدو سعد كمان.. ما تيجي معايا!
أنا: لا يا خويا وأنا مالي! أنا لسه صغيرة وقطقوطة.. بعد عمر طويل يا يويو.. مالك بومة في نفسك كده ليه؟
يحيى: ده أنتي بالذات المفروض تموتي!
أنا: ليه يا بوز الغراب؟ أنا بالذات ليييييييه؟!
يحيى: علشان جدو سعد وحشك أوي.. مش عايزة تشوفيه؟
أنا: مالاكش دعوة.. قوم يا واد من جنبي أنا بدأت أتشائم منك!
يحيى: لما تموتي بأة هتقابلي باباكي ومامتك كمان.
أنا: الله يرحمهم.. تصدق بدأت تقنعني!
يحيى: أيوة طبعا.. ده أنتي هتفرحي جدا.. وكمان هاتقابلي موسى!
أنا: آه.. هقابل ماما و بابا وموسى.. موسى؟ موسى مين؟!
يحيى: موسى… موسى جوزك.
أنا: موسى جوزي؟! موسى جوزي عايش يا بومة.. ماماتش!
يحيى: لأ لأ مش قصدي على بابا.. أقصد موسى جوزك اللي مات!
أنا: مين يا واد موسى جوزي اللي مات ده؟ انت هاتجيب لي مصيبة؟
انتفض يحيى من مضجعه، وجرى بخطوات مسرعة خارج الغرفة، وعاد و بيده إطار لصورة زفافي.. رفع يده الصغيرة بالصورة قائلا: ده.. موسى.. ده جوزك اللي مات!
أنا – مندهشة- جوزي اللي مات؟ ده أبوك يا اهبل!
يحيى – متفاجئا- لا يا ماما ده مش بابا.. بابا شعره طويل وعنده شنب ودقن كبيرة.. مش شكل جوزك اللي مات ده!
أنا: يا واد مات إيه؟ ده أبوك!
يحيى: ده بابا؟! أنا فاكره جوزك الأولاني!
أنا: جوزي الأولاني؟ هما كام واحد؟! إيه جو الشحرورة ده؟! وبعدين اسمه \”موسى\” برضه عادي؟ صدفة؟ ولا ده لقب زي \”باشمهندش\” كده؟ أو \”هندسة\”؟ أو \”Monsieur\”؟
يحيى: ده بابا؟
أنا: وأنت بتسخنني أموت علشان أسيب أبوك واروح لجوز أمك؟
يحيى: علشان تبقي مبسوطة يا ماما smile emoticon
أنا: قوم يا ابني قوم.. عايش معايا خمس سنين مغيب؟ ومش عارف أبوك؟ لأ وعايز تموتنا كلنا علشان power rangers! ومطلعني ماري منيب.. مدوباهم إتنين؟ قوم ياللا.. واد قفيل!
يحيى: إستني بس.. يعني مش هانموت؟
أنا: لأ ده أنت مصمم بأة.. طب تعالى بأة.. وابقى سلم لي على جوز أمك.
يحيى – وهو يثب هربا مني ضاحكا مقهقها- هاهاهاها.. إلحقووووني.. يا بابااااااا.. يا موووووسى!
(عفريت.. عفريت صبربووووورة؟)