هناك هذا المفهوم السائد الذي يعتبر مجرد فعل الإنسان لشيء عظيم، أو إيهامه للآخرين بأنه فعل شيئا عظيما، يعطيه الحق في \”التنطيط\” على خلق الله به، وإيذائهم، وظلمهم، وأخذ بعض أو كل حقوقهم لأنه أفضل منهم وخدم البلد – على عكسهم- هم الرعاع الذين يعيشون عالة على المجتمع، ولا يفعلون شيئا طوال حياتهم، سوى الشكوى والاعتراض.
فالجيش الذي عبر في 73 من حقه قتل الشباب وسحل الفتيات وحبس الرجال والنساء، لأنه صاحب انجاز، رغم أن معظم من شاركوا في 73 قد انتهت خدمتهم، ولم يحصلوا – فعليا- على مكافأة حقيقية، والفريق سعد الدين الشاذلي خير مثال، لكن كل هذا الكلام لا يصح، فهو -الجيش- \”آخر عمود في البيت\” !
وهناك مبارك صاحب أول ضربة جوية، التي استغرقت 30 دقيقة، حكم مصر على أثرها 30 سنة، ونهب من خيراتها ما يكفي أبناءه وأبناءهم حتى 30 جيل قادم من بعدهم، لكن على الأقل \”كنا عارفين نعيش\”، رغم أننا كنا تحت الصفر بمقدار ما، إلا أن البعض يعتبرها \”عيشة\” لسبب أو آخر!
ونأتي لمرسي الرئيس المؤمن حافظ القرآن، الذي كان يصلي الفجر حاضرا في جماعة ويذهب لصلاة الجمعة في مسجد مختلف كل أسبوع.. بهذا كانوا يبررون فشله، وكأن صلاته وصيامه لنا وليس له!
ومعنا على المسرح سيادة المشير (مش طنطاوي) ومميزاته هي أنه خلصنا من الإخوان الذين كانوا سيؤدون بنا إلى الحرب الأهلية التي كان سيقع ضحية لها آلاف الناس (نعم مثلما يحدث الآن) ويكفي أن الأوضاع تتغير، صحيح إلى الأسوأ، لكن لا يحق لك أن تفتح فمك، إن لم يكن عندك بديل، أما إن كان عندك البديل، فلا يحق لك أن تفتح فمك أيضا، لأنك لم تقدم للبلد ما قدمه السيسي، ولن تفعل أبدا (رسول بقى).
وهذا الأمر لا يتعلق بالسياسة فحسب، بل ستجده منتشرا، ودائما هناك هذا الشخص الذي لن يكون من المسموح لك أن تعترض عليه، وغير مقبول منك أبدا أن تنتقده، لأنه \”أكبر منك بيوم وأعلم منك بسنة\” أو لأنك \”معندكش بديل\” أو ﻷنه \”عمل كذا للبلد، أنت عملت ايه؟\”
فحتى يأتي ذلك اليوم الذي يدرك فيه عموم الناس أن:
– لا أحد معصوم كبيرا كان أو صغيرا، وأن الحكمة هي الضالة الحقيقية، سواء كانت من طفل أو شيخ.. قالها مؤمن أو كافر، محب أو كاره، تشابهنا في الأيديولوجية أو اختلفنا.. كل هذه تفاصيل جانبية، والمحتوى هو هو ما يهم حقا.
– من حق المواطن الاعتراض على الحكومة في أمر ما، ودور السلطة أن تحل مشكلته -إن وجدت- أو تبين له خطأ حكمه، بوسيلة مبسطة، لكنها علمية في الوقت نفسه، ودون حديث عن \”الكفتة\”.
– بديل القذارة، النظافة.. بديل الظلم، العدل.. بديل الفاشية الدينية/العسكرية، الحكم المدني.. بديل الديكتاتورية، الديموقراطية (بكل جوانبها، وليس الصندوق أو المظاهرات فقط)، وبديل تدخل الجيش، هو عدم تدخل الجيش.. (نعم، الموضوع بهذه البساطة).
– الكوادر لا تنمو، والطاقات لا تتفجر إلا في جو من الحريات.. لا يمكنك لوم النبات على ذبوله وموته، عندما تمنع عنه الماء والهواء والشمس.
– الإحسان مرة لا يبرر أو يمحو الإساءات المتكررة، بل العكس هو الصحيح، فكثرة الأخطاء تنسي الآخرين ما أصبت فيه.
– الإنسان المجتهد في دراسته أو عمله ولم يخالف القانون (مش عندنا؟ عديها) هو في الحقيقة يقوم بدوره و\”بيعمل حاجة للبلد\”، حتى وإن لم يكن من أصحاب الاختراعات والمؤلفات والشهرة.
إلى أن يتم إدراك كل هذا، سأظل أفكر في هذا العمل (حقيقي أو مفبرك) الذي سوف \”أذل بيه\” سائر بني آدم، وأبرر به كل أخطائي واخفاقاتي، وكلما انتقدني أحدهم، نظرت له بكل اشمئزاز، متحدثة من \”طراطيف\” أنفي قائلة: \”أنت عملت إيه للبلد؟\”