سارة عثمان تكتب: بلطجية السوشال ميديا

 

لم تكن والدة الطفلة \”ماريا أندرسون\” تدرك حجم ما ستعانيه هي وابنتها لمجرد أنها نشرت صورة للابنة احتفالا بعيد ميلادهاالثاني، مثلها في ذلك مثل ملايين الأمهات حول العالم. فقد تعرضت صورة الطفلة  لتعليقات عنصرية مؤذية لا يمكن لبشر أن يحتملها لمجرد \”اختلاف\” الطفلة عن أقرانها في المظهر الخارجي، حيث تعاني الطفلة من مرض نادر يعرف بـ\”متلازمة ازدواجية الصبغي رقم إثنان\”، ينشأ عنه  ضعف في النمو والمهارات الحركية إضافة إلى التوحد ونقص القدرات العقلية وذلك المظهر المميز للوجه.

ما حدث كان أكبر من أن يستوعبه عقل، فبمجرد نشر الأم صورة للابنة، متوقعة أن تتلقى التهاني والدعوات بالشفاء لابنتها، انهالت على صورة الابنة آلاف التعليقات السخيفة كان أبسطها نعت ماريا بـ\”الوحش المخيف\”، إضافة إلى عشرات الميميز والكوميكس التي استغلت وجه الطفلة المميز بسبب مرضها الذي تعاني منه ولا دخل لها فيه.

ما حدث للطفلة \”ماريا\”، هو ما جرى تعريفه اصطلاحا بـ cyber bullying واتفق على تسميته \”بلطجة الإنترنت\”

ويعني ببساطة، \”استخدام الهواتف النقّالة والرسائل والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في تهديد أو سب أو ترهيب شخص ما، وكذلك نشر الرسائل والتعبيرات العنصرية بين الأجناس والأعراق والهويات المختلفة عن عمد\”.

 

وقد نتج عن مثل هذه الممارسات إقدام البعض على الانتحار، ومن أقرب حالات الانتحار.. فتاة مراهقة  تدعى \”ريبيكا آن\” من ولاية فلوريدا الأمريكية، قامت بإلقاء نفسها من فوق أحد المصانع المهجورة بمدينة ليكلاند، بسبب تعرضها للبلطجة والتهديد من خلال رسائل مجهولة على حسابها على موقع \”آسك إف إم\” الشهير.

البلطجة  الرقمية تحدث أيضا  لدينا في مصر بطريقة مباشرة وواضحة لا يمكن للعين أن تخطأها، وذلك – ويا للمفارقة – من خلال بعض  الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مدافعين عن حق الإنسان الأصيل في التعبير عن نفسه وعن أفكاره، فنجد مثلا شخصا وهب نفسه  للحرب المقدسة للدفاع عن حرية التعبير وإبداء الرأي، إذا به يهاجم بشراسة وبلا هوادة أي شخص يختلف معه فكريا أو أيدولوجيا.. متمترسا بشهرته وصيته الذائع، ومتحصنا بعدد المتابعين له على تويتر، ومستقويا \”بصمت\” الأصدقاء ووقوفهم في مدرجات المشاهدين غير معلقين على جرمه، فارتباطات المصالح والمؤتمرات والبزنس أقوى من الدفاع عن أي مظلوم.

الأمر لا يقف عند هذا الحد، فهناك أيضا الجيوش الجرارة التابعة لهذا المغرد أو ذاك النجم الذين لا يتوانون لحظة عن الدفاع عن \”محبوبهم\” مخطئا  كان أم مصيبا، فتراهم يهاجمون المختلف في الرأي مع \”فتوتهم\” ويقومون بعمل الواجب الذي لم يطلب منهم بالأساس، فيكون التحفيل هو جزاء المختلف الذي لا حول له ولا قوة، بتدشين وسم أو هاشتاج معين، وتصبح المحصلة النهائية هي أن يكره من تجرأ على الاختلاف نفسه وعيشته وحياته كلها بسبب كم السباب و المهانة التي يتعرض لها من قبل \”صبيان\” المعلم.. تماما مثل أي مشهد كلاسيكي في إحدى روايات نجيب محفوظ عن القاهرة القديمة وعائلة \”الناجي\” فتوات وحرافيش.

هناك نوع آخر من البلطجة الفكرية على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو بلطجة كبار الكتاب والفنانين ومن يعرفون بـ \”نجوم الفيسبوك\”، لكنه أقل حدة من حفلات التحفيل على تويتر، ويتلخص الأمر ببساطة بأن يقوم ذلك الكاتب أو هذا النجم بعمل \”بلوك\” أو حظر للمختلف في الرأي معه، المثال الحاضر في ذهني حاليا هو حساب الكاتب يوسف زيدان على فيسبوك، فهو يقوم بالتحذير مرارا وتكرارا من أن من سيسيء أو سيختلف معه عبر هذا الحساب، جزاؤه البلوك وبئس المصير، لكن يجب أن نضع في الاعتبار أنّ  بعض المعلقين والمتفاعلين يتجاوزون بالفعل حدود الحرية في التعبير.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top