اتذكر جيدا الذكرى الأولى لثورة 25 يناير 2012، التى تم الدعوة للاحتفال بها بالتجمع في الميادين العامة بالقاهرة، والمشى في مسيرات حتى ميدان التحرير، فاخترت أن أسير من ميدان الحرية بالمعادي، وهى مسافة كبيرة جدا، وعندما اقتربنا من التحرير من مدخل الكورنيش توقفت المسيرة عند فندق شبرد، لأن الميدان كان قد أمتلاء عن آخره، ولا يوجد موطأ لقدم، وكأن عدم قدرتنا على دخول الميدان كان أشارة مستقبلية لما سيحدث بعد ذلك، إذ فقدنا ميدان التحرير فيما يبدو إلى الأبد، واتذكر أنى ذاك اليوم، قلت لإحدى صديقاتي التى اتصلت بى من الأردن أننى اعرف الآن عدد العضلات في جسم الإنسان لأنهم يؤلمونني جميعا، وضحكنا كثيرا بالرغم من التعب الذى كنت أشعر به.
لا اتذكر كيف مرت الثلاث مرات التى تلتها، هذا العام سوف أقضى الذكرى الخامسة لثورة يناير، في الصباح أجمع أطفال العائلة واتركهم يلعبون كما يشاءون.. اعتبر هذا اليوم هو إحتفالية للحرية يلعب كل منهم كما شاء، ولكل منهم هدية يختارها، سأربط هذا اليوم في ذاكرتهم بالحرية المقتنصة ولو لساعات، سأحكى لهم ببساطة عن الحرية التى إن ملكوها، ملكوا حياتهم القادمة، لن أحكى عن الغاز والضرب والموت، سيعرفوا ما حدث إن عاجلا أو أجلا.
في المساء سأكمل اليوم مع مجموعة من الأصدقاء لم يحالفني الحظ أن ألتقى بهم في ذاك اليوم، ربما نحكى عن مشاهد رأى أحدنا نصفها من جهة، ورأى الآخر النصف الآخر، لنكمل لعبة البازل التى لم تكتمل صورها لدى أي منا حتى الآن، وربما نستمع إلى الغناء، سأشترط ألا يكون غناء ثوريا, ربما يبكى أحد الموجودين أو ترتبك مشاعر آخر, سيكون غناء حرا يحمل طعم أمزجتنا المختلفة.. لنخلق مساحة ذكريات آمنة من الألم.. تتسع لنا مهما كانت صغيرة، لكنها ستكون أكبر من الميدان الذى لم يحتملنا.