زينب خير تكتب: قالوا فى الامثال

 

 

 

عندما كان عمري عشرة سنوات أشترت لي أمي فستانا أحمر، بمناسبة العيد، وفي أول يوم ارتديته، قابلت إحدى الجارات على السلمن فرددت: \”ضحكوا عالأسمر لبسوه أحمر\”، وفي بيت جدتي، رددت أيضا إحدي نساء العائلة نفس العبارة، ولكن بلهجة لومن وكأنها تؤنب أمي على هذه الفعلة! ولا اتذكر مرة أرتديت فيها هذا الفستان إلا وسمعت هذه العبارة، مما جعلني لسنوات ربما تصل للعشرة، لم ارتد هذا اللون، ومع نهاية دراستي الجامعية أشتريت بلوزة حمراء على سبيل التغيير، ومنذ ذلك الحين لم يفارق هذا اللون دولاب ملابسي، بل اصبح هذا اللون هو لون المناسبات العزيزة لدي.

وبالرغم أن غالبية أبناء المدن المصرية من أصحاب البشرة الداكنة، إلا أن الأمثال الشعبية، ذكرتهم بمعان تقلل من قيمتهم، بسبب لون بشرتهم:  \”أدلعي يا سودة في السنة العوجة\”.. \”حبيبك اللي تحبه لو كان عبد نوبي\”.. \”سودة وبنت عبد ودخلتها يوم الأحد\”.

أما عن الفقراء، فقد لامتهم الأمثال الشعبية على محاولتهم الترفيه عن أنفسهم.. \”دلع الفقاري يفقع المرارة\”، وكأنه ليس من حقهم التمتع بالرفاهية، حتى لو توافرت لهم بالصدفة، وبالرغم من جلال خبر الموت الذي يتساوى أمامه الجميع، إلا أن هناك أمثال قللت من قيمة خبر موت الفقير.. \”الغني مات شدوا الخبر والفقير مات أكفوا عالخبر\”، وللتقليل من قيمة ما يقوله الفقير حتى لو كان هو الصحيح، والانحياز ورفع قيمة ما يقوله الغني حتى لو كان مناقضا للواقع.. \”الفقير قال الفار قرض الخشب قالوله: كدابن والغني قال الفار قرض الحديد قالوا: صادق\”.

 

ولم يسلم أصحاب الأعاقات تحديدا المرتبطة بالبصر، فتعددت الأمثال المهينة التي ترسم لهم صور سلبية تقلل من إمكانياتهم وقدرتهم على الفعل  بشكل عام،  وتحديدا الفعل المرتبط بإعاقاتهم، حتى لو حظوا بما يجعلهم يتجاوزون هذه الإعاقة.. \”مكسح وطالع يتفسح قال بفلوسه\”.. \”على ما تتكحل العمشة يكون السوق خلص\”.. أو حتى إذا كان الفعل غير مرتبط بالإعاقة: \”أعمى ويجري في النخل\”، وكأن إعاقة واحدة تقلل من قدرته على أفعال أخرى غير مرتبطة بها.. \”الغريب أعمى ولو كان بصير\”.. \”الحظ لما يواتي يخلي الأعمى ساعاتى\”.. \”عمية وبتحفف مجنونة تقولها حواجبك سودا ومقرونة\”.. \”الأعور في بلد العميان يقولوا له يا كحيل العين\”.. \”عرجة وبتقول للصايغ أصنعلي الخلاخيل\”.. وتقال هذه الأمثال للجميع حتى لغير ذوي الإعاقات، كدليل على التقليل من إمكانياتهم وقدراتهم.

تعتبر \”الأمثال\” من أبرز عناصر الثقافة الشعبية التي تعكس معتقدات المجتمع، و\”المثل\” عبارة عن قول مأثور يتضمن نصيحة شعبية، أو حقيقة عامة، أو ملاحظة تجريبية، أو موقفا ساخرا من عادة اجتماعية ما، وتنتشر ألامثال ويتم تداولها من جيل لجيل بشكل شفاهي باللهجة العامية، وتساهم في تشكيل أنماط اتجاهات وقيم المجتمع، لذا يستخدمها علماء الاجتماع لتحليل المجتمعات والتعرف عليها.

وعلى هذا النحو أثرت بعض الأمثال الشعبية المصرية على تنميط بعض الأفكار المغلوطة والتحيز لمجموعات اجتماعية على حساب مجموعات أخرى، على نحو أخل بقيم اجتماعية مثل المساواة.. احترام الآخر.. أحترام الأختلاف.  .

 

وقد بنت هذه الأمثال العقل الجمعي لمجتمع يري أن محظروات الألوان هي فقط للسمراوات، وأن الإعاقة مصدر سخرية من قدرات الإنسان، ويقلل من القيمة الاجتماعية للفقير، مواجها من قام بتصنيفهم بهذه الأمثال المستخدمة يوميا في جميع تفاصيل الحياة، فتبني بينهم وبين المجتمع الذي يعيشون فيه جدارا يتراوح سمكه وارتفاعه بقدرة كل شخص على التعايش مع آخرين يرسمون في مخيلتهم صورة ذهنية عنه، يشوبها نقصانا ما.. يصحبها إهانة أحيانا، ولذا ليست كل الأمثال مبنية على الحكمة، بل يؤدي بعضها إلى انعدام رؤيتنا للحقائق الواقعية، مستخدمين صيغا تبدو فيها الحكمة، لكنها في الحقيقة سهام نرشقها على من حولنا دون أن ندري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top