أمين الهنيدي الرائع، لما نزل القاهرة هو وبناته الخمسة، علّمنا أول معنى لمفهوم الاصطفاف اللي بقى لنا فترة عمالين نجدف فيه، حيث قام بتوقيف البنات في طابور.. كل واحدة بتحاذي على كتف التانية أشبه بعساكر الأمن المركزي الغلابة، ومؤكدا عليهم، خصوصا \”البكرية\” إنها تحاذي في الصف يا بت يا نبجة جنب إخواتك، وعلى قد ما كان أمين الهنيدي دمه خفيف وهو بيقدم فكرة الأب اللي بيحمي بناته من نداهة العاصمة اللي هتخطفهم بمجرد إنهم يفكروا يخطوا خطوة برة الطابور، وعلى قد ما ضحكنا وهو بيقولهم حاذوا يا بنات بابا ويلا نقول الناااااااشيد، إلا أنه من المؤسف أن نظرية عبد المتجلي سليط، تبدو وكأنها أحد النظريات الفوضوية العظيمة اللي الإعلام والدولة بيباصوها لبعض في ماتش بينج بونج مبينتهيش على ملعب من مية البطيخ، ومطلوب مننا إحنا الناس العاديين مش بس نجدف.. لأ نجيب جون ونصطف.
بتظهر نظرية الاصطفاف بشكل هستيري في كل موقف مرينا بيه في الثورة، وبنضطر نتحط في اختيارين لا ثالث لهما.. سواء المشهد ده كان من أيام الترشيحات الرئاسية ووصولا للمشهد الأكثر هستيرية من المسرحية العبثية اللي بتمر بيها الدولة المصرية حاليا، واللي مش بتتورع إنها في كل أزمة تبرق لنا عينها الحمرا، وهي بتقول \”أنتو معانا ولا مع الناس التانيين؟\”.. \”هتقفوا فين؟ وصفوا بسرعة\”، وكأن فعل الثورة في حد ذاته ليس كافيا لتكسير صنم الاصطفاف وخلعه من لغلوغه، وكأن عين الدولة الحمرا هي المعطى الوحيد في المعادلة، اللي بيتجاوز حق المواطن العادي في الفهم وطرح تساؤلات حقيقية عن جدية الصورة البمبي يا صلاح اللي بتتصدر لينا.
اللي ماسك الميكرفون بيتقمص دور عبد المتجلي سليط، وبيزعق فينا إحنا ليل ونهار إننا لازم نصطف مع الدولة ضد الإرهاب، وكلنا إيد واحدة يا بهجت في حرب قمنا الصبح بالليل لقيناهم بيشحنوا الناس ليها، وفقاعة من لبان بعشرة صاغ عن عاصمة جديدة والناس تزغرط وتقول الله أكبر، ولما تسألهم تلاقي الإجابة الأكثر حضورا: \”حاذي في الصف يا بت يا نبجة\” وبعدين نبقي نرسيكم على الفولة، ولغاية دلوقتي ماشوفناش فولة وهنلبس في وش الغولة.
وعلى الرغم من أن الدولة المفروض تحصل على أوسكار أفضل مهرجانات شعبية لتكاتك موقف الثورات في المنطقة، إلا إنها مش مكتفية بالهستيريا الجماهيرية المؤيدة على طول الخط، وبتطلب دايما من الجميع إنهم يحاذوا في الصف، والواحد بيصعب عليه نفسه بصراحة إنه يحس إنه في النهاية بيتعامل زي البت \”نبجة\”.. مع احترامنا طبعا لنبجة وأخواتها وأبوهم وعبد المنعم مدبولي كمان، لكن فعل الاصطفاف ورا الدولة تحت أي مسمي أصبح شيئا ساذجا مش بيخرج عن فقاعة صابون مع أول لطشة هوا، هتفرقع، والغريب أن دعوات الاصطفاف في أي قرار للدولة الحكيمة المصرية (أيون حكيمة أوماااال.. بتدي حقن) للحفاظ على الدولة ذاتها واللي لو سألت أي \”نبجة\” من النبجات المحاذين المصطفين في الصف: \”يعني ايه دولة طيب؟\” هيكون الرد: مش وقت الأسئلة الخبيثة دي.. إحنا لازم نصطف ونحاذي ونساوي ونقول النااااشيد.
ممكن تتفاجيء بكرة الصبح بقرار للدولة.. سواء داخلي أو خارجي، وانت قاعد كأصغر أيقونة لا تُرى بعين الدولة المجردة، وقبل ما تفتح بوقك وتطرح تساؤلات مشروعة ومن حقك جدا بصفتك مواطن وبصفتك يعني قاعد معانا في المدرجات وبتشجع أهو وبصفتك برضه لسه شارب من نيلها والأمر ميسلمشي، تلاقي ماسورة من التخوين والاستهجان واتهامات عمالة وإننا مش حافظين النااااااشيد ولازم نصطف.
أنا مش هدعي إني بفهم في السياسة بصراحة، لأني معرفش غير سياسة مزيكا لما انجعص على الكنبة جنب القلة، ورفع رجليه المكسية بكالسون محلاوي أصيل، وقال: \”أنا الشعب\”، لكن اللي أعرفه إن محدش يطلب مني أو من جموع الشعب إنه يصطف ويقف في طابور ويهز طوله ويقول الناااااشيد، من غير ما يسأل ويعترض ويطلع خطوة أو خطوتين أو حتى عشرين عن الصف، ويشقه ويجيبه من لغلوغه علشان نفهم يعني إيه اصطفاف.
وإيه فايدة الاصطفاف الوهمي المطلوب مننا طول الوقت، وإيه فايدة إننا نحاذي فيه، غير إنه بيدي شرعية لموجة التجهيل والتزييف اللي عايشينها وشايفينها.. طيب إذا كانت الدولة بتعامل مواطنيها على إنهم التطور الطبيعي للبت نبجة، فأنا فعليا مش فاهمة ليه البنت نبجة أو الشعب ذاته يعني راضي ومستمخ و\”مصطف\” أوي كده.. مش عارفة الحب الأبوي ده منبعه إيه، وخصوصا إن الأب عندنا دايما بيقطع المصروف.. يبقي يطلب مننا نصطف ليه أصلا وإحنا مش مقتنعين ولا مصدقين بفقاقيع الهوا اللي عمالة تفرقع في وشنا دي.
لو في يوم هنعمل قاموس للكلمات اللي حطينا عليها التاتش المصري بتاعتنا في ثورتنا.. أكيد هنعمل تشابتر كامل عن كلمة \”الاصطفاف\”، وكل واحد فينا يفش خلقه بقى في البت نبجة وأبوها عبد المتجلي سليط والكثير جدا من المواطنين حاملي الختم الصعلوكي زيينا، اللي بيتهيأ لهم في لحظات تجلي نرجسية إنهم بيقوموا بفعل بطولي عظيم لا يقل عن فعل نبيل الحلفاوي وهو بيأور العسلية وبيشدونا من إيدينا وبيكمموا بوقنا لو حاولنا في يوم ننطق أو نعترض أو ناخد خطوة بره الطابور علشان إحنا ببساطة مش البت \”نبجة\”.