رنا ماهر تكتب: ولكل بيت باب

كل يوم باتأكد من حاجة كنت مقتنعة بيها يا بتطلع صح، يا غلط، ومحتاجة إعادة ترتيب، المبادئ والأفكار واليقينيات المعقودة في قلوبنا و function أدمغتنا لازم تتمزج بتجرُبة فعلية، أو بمحادثة طويلة، عشان تبتدي كل يوم تعرف إيه اللي كنت صح فيه فتكمّل بيه، وإيه اللي كنت شايفه غلط ومقتنع صح فتلحق تصارح نفسك بيه وتكمل بيه.
اتعلمت إن أول حاجة لما تعرف إن عندك عيب، أو حد يواجهك بيه، تشتغل على تغييره بينك وبين نفسك بدون ما تفضح ده، ولو العيب ده كان مؤذي، ممكن تتوجّه للي أذيتهم بيه وتقولهم بعتذر عن 1 2 3 وخلصنا، الأخطاء واردة، وأنا مش سوبر مان، جملتين بيريّحوا الضمير، وخ ل ص ن ا.
عامل زي البيتزا اللي طول عمرها بتوصل لزباينها ساقعة، إنت عارف ده عشان أنت صاحب المطعم، بس لسّة زباينك محدش منهم اشتكى، ولما جيبت فرن متنقل بيحافظ على سخونة البيتزا لحد ما توصل للناس؛ ماعتذرتش لحد.. بس قولتلهم يا جدعان البيتزا بتاعتي بتوصل ليكم سخنة دايما، هيقتنعوا عشان حاجتين؛ عشان أنت قولت كده وده هيخليهم معندهمش مانع يجربوا، وعشان بينسوا وبيصدقوا اللي أنت ماشي تتغندر بيه، وهم بس اللي يمكن كانوا ساكنين بعيد أو حظّهم وحش ومشافوش ده.
اتعلمت إن الناس فعلًا أبواب وسكّك، كل واحد باب مختلف عن التاني؛ وكل واحد ليه رهبة الخبطة الأولى وفتحة الباب، وإنك تعرف مخبّي إيه وراه.
اتعلمت إن الأبواب دي بتدخلك بيوت مختلفة، بيت أول ما تخشّه أنت عارف إنك هتتعب فيه؛ هتنضّفه وتمسحه وتشيل الغبار والعفرة اللي في كل رُكن وتنزل السوق تجيب فراخ ولحمة وخضار عشان التلاجة فاضية، وتجيب إكسسوارات تزيّن شكل البيت وتعدل فيه اللوح المايلة. وبيت تاني بابه شجّعك على الدخول عشان لونه مُبهج، وإيد الباب بتلمع ونضيفة وسامع من برّة صوت مزيكا هادية ومتعطّر بريحة الليمون.

وفي أبواب نفسك تجرّب الدخول فيها عشان لقيتها شبه بابك في الشكل من برّة، وأبواب لبيوت دخلتها قبل كده وارتحت فيها وحنّيت تاني ترجع تخبّط، وأبواب بصّيت عليها رُكبك سابت واتوتّرت وسيبتها ولا فكّرت تخبّط عشان مكتوب عليها \”ممنوع الدخول\” ومش عايزين لبن النهارده.
اللي اتعلمته إن صاحب البيت اللي أنت نضّفته وهندمته ممكن يفتكر نفسه زي صاحب محل البيتزا، بيته طول عمره نضيف وعيوبه بسيطة، وأنت ماعملتش حاجة، وشكرًا مع السلامة. أو ممكن يكون كويس، كويس كفاية في سياقٍ آخر، بس أنت مارتحتش فيه بعدين، فعرفت إن دي كانت مهمتّك اللي ربنا وجهك بيها للبيت ده؛ فترة مؤقتة تهوّن عليه.
والباب المبهج كان شكل من برّة، لما دخلته لقيت راديو مفتوح قُرب الباب، ومحدش حواليه بيسمعه، جيت تطلب تسمع مزيكا معاه، سمّعك وقالك: اتفضل تشرب إيه؟ لما طلبت.. قالك مفيش، واطلع برّة! ليه يا صاحب البيت؟ البيت ده مايشيلش أكتر من اتنين، وأنت فضلت الشوية بتوعك، وحد تاني جاي في الطريق.. مستغنيين.
والباب اللي أنت ارتحت فيه قبل كدة، صاحب البيت غيّر ديكوره ومبقاش يناسبك.
الباب اللي مكتوب عليه \”ممنوع الدخول\”، برّة مليان قطط نايمة بهدوء وصاحبها حنين معاها عشان ياما ناس خبطت ع الباب بتاعه، ولما دخلوا بابه سرقوا البيت وبهدلوه ومشيوا، فماشفش غير القطط يربيها وينزل بنفسه يجيبلها أكل وشرب. ويفضل يراعيهم بهدوء.
بيوتنا غير شكل أبوابنا.
اللي اتعلمته إن الحياة أبسط من إني احكم على نفسي أكون في بيت مش مرتاحة فيه، أو لما امشي من بيت ماقولش السلام عليكم، أنا كنت عابر سبيل وأنت ضايفتني بحسن الضيافة، بس أنا اكتشفت إن بذر التفاح اللي في جيبي مايطرحش في أحواض الزرع في بلكونتك.
وإن الناس بتقرّب وبتبعد، بس اللي بيفتكروه الكلمة الأخيرة قبل الباب ما بيتقفل، واللي أحيانا بتكون فعلا الكلمة الأخيرة عشان صاحب البيت ممكن يكون ده يومه الأخير.
اللي اتعلمته إن اللي طلع من بيتك أو أنت طلعت من بيته، ماينفعش يرجع تاني واحد من أهل البيت، لو كانت الأبواب كلها مقفلّة قدامكم، آخركم ضيوف عند بعض وليكم كرم الضيافة تلات أيام ودعوة عابر سبيل، وبارك الله فيما رزق.
أنا اتعلمت إن مش لازم الخير يبقى، الخير خير لمجرد حدوثه، ومش لازم الناس كلها تحبنا أو نحبها، بس مفيش أوبشن تاني إننا نحترم وجودها، وإن مش عشان أنت مش معايا تبقى عليّا، وإن مش عشان بشوفك كتير يبقى فهمتك، وإننا معقّدين عن اللي برّانا، وإن مش كل حاجة نفسنا فيها لازم نوصلها، وإن أحيانا لازم نكسّر نفسنا دي ونعمل اللي مابنحبوش، بس هيريّحنا بعدين، وإن أغبى شخص في الكون اللي بيخلق عداوات على الفاضي وعلى المليان، خصوصا مع ناس كان فيه بينهم عيش وملح، وإن مش عشان إحنا مش صحاب، ده معناه إني عدوّك، وإنها مش مستاهلة، والله ما مستاهلة، وإن الرب يُربّي، وإن الابتلاءات صعبة، وإننا ممكن نموت في أي لحظة، وإن المرض مش صغير على حد، وإننا ولا حاجة بدون المهدئات بتاعتنا، وإن حياتنا ماينفعش نعلقها على شماعة شخص أو مكان، وإننا كل يوم وكل لحظة بنتغير، والحياة ماشية، والصغيّر بيصغّر اللي حواليه، والكبير بيقوّم الناس ويكبّر منهم ويقدّرهم، وإننا لسه أطفال صغيرة، بس في إيدينا مانكونش عيال! ومش لازم نمضي حضور ونبدي رأينا في كل حاجة، وإننا أحيانا يفضل إننا نتخذ دور المشاهد ومانشاركش في الأحداث، وإن الحياة أسمى من الفكر يا \”بيجوفيتش\”، وإن الفن بيهوّن علينا قسوة الدنيا يا \”فان جوخ\”، وإننا أطفال بعمر الـ15 سنة مهما بينّا إننا أقويا، وبتيجي علينا أيام ضعف وبنبقى عايزين نرمي نفسنا من الشباك يا \”هوراكي\”، وإننا تايهين زي \”القصبي\”، مهما عملنا راضيين بمصيرنا واللي مكتوب لنا زي \”ونوس\”، أو عارفين طريقنا مابنتخبّطش زي \”ياقوت\”، وإننا كلنا بنعيّط وبنحزن بالليل وبنصحى تاني يوم نواجه الدنيا بوجه بشوش وقلب عابس يا \”رانا\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top