يتحسس كل رئيس وسياسي اتزان الكرسي من تحته، حتى لا يقع به، مثلما وقع بغيره، خصوصا في ظل فترة ثورات الربيع العربي، وشعوب قد استيقظت من سباتها العميق على المطالبة بحقوقها، وحكام إما رضخوا أو فروا أو تنازلوا عن الكرسي أو حاربوا شعوبهم.
هذه نبذة عن حالات الاتزان عموما قبل أن ندرس اتزان كرسي الحكم في مصر الآن.
أولها: حالة اتزان كامل، ويكون فيها الكرسي على أربعة أرجل يعتبر متزن اتزانا كاملا.. تستطيع أن تجلس عليه (منجعصا) كما يقولون، فلا هو يقع خاليا، ولا يقع بك إن جلست عليه.
ثانيها: الكرسي في حالة عدم اتزان بالمرة، وهو الكرسي على رجلين فقط، وهو يقع بك إن جلست عليه، ويقع إن تركته لحاله خاليا أيضا.
هاتان حالتان واضحتان.
والثالثة هي حالة الكرسي بمصر الآن، وهو اتزان بهلواني لكرسي بثلاثة أرجل.. يجلس من عليه متزنا بمساعدة قدميه، فهو لا يأخذ راحته في الجلسة، ولا يقع، ويظهر أمام الناس جالسا على طبيعته، بينما يجاهد للحصول على الاتزان، فضلا عن أن كرسيه لو تركه فترة، فقد يتزن بهلوانيا على ثلاثة أرجل خاليا، لكنه اتزان قد تعكره صدمة خفيفة أو بعض رياح في إتجاه الرجل الناقصة.
يتزن كرسي الحكم الآن في مصر على ثلاثة أرجل:
رجل الكرسي الاولى:
حرب ضد الإخوان وضد الثورة، وإعلام يزيد نار الحرب إشتعالا، ويسميها الحرب ضد الإرهاب، ويربح بهذا جمهورا عريضا من الخائفين، بتضخيم جزء ضئيل من الإرهاب لا تحاربه الدولة بحرفية مناسبة، وتلقي بتبعاته على جماعة الإخوان وحدها، وتستخدم بسببه إجراءات إستثنائية.من إعتقالات وقتل ضدهم وضد الثورة.. ثورة يناير، والإخوان خير من يورط نفسه إن أراد الدفاع عنها، فتكتمل منظومة فشلهم في الحكم، لتلتحم مع الإرهاب ليكرههم الشعب ويستحل الحرب المفتعلة جدا عليهم وعلى الثورة.
رجل الكرسي الثانية:
تأييد شعبى كبير- وإن بدأ يتململ- للنظام، ويأس من الثورات وما تسببه من ركود لعامة الشعب وبسطائه وضغط اقتصادي، وطبعا غياب البديل الذي يقدم خطابا حقيقيا على الأرض للناس، وقد جربوا الإخوان، وفشلت التجربة، وإقناع الشعب أن يعود لقديمه بعد فشل تجربة فصيل كان محسوبا على يناير في الحكم.. إقناعه ليس صعبا.. أن يعود للحظيرة.. حظيرة القمع والاستقرار المزعوم، ليصبح الرجل الثانية بالكرسي.
رجل الكرسي الثالثة:
هي تاييد عالمي لما يحدث في مصر، وخليجي بالطبع، وهذا يشمل دعما ماديا ومعنويا لما تسببه الثورات من قلاقل واضطرابات، أصبحت غير مرغوبة بالمنطقة جوار إسرائيل وقناة السويس وآبار النفط الخليجي، فلتستقر مصر بأي ثمن، ولو كان الثمن بعض الظلم والاعتقالات – للمصريين طبعا- وسيتدبر العالم ان يبقى الاقتصاد على قيد الحياة ما أمكنه.
هذه الأرجل الثلاثة للكرسي، تنقصها الرجل الرابعة، وهذه الرجل- قد أخذتها لسوء الحظ الثورة المضادة- قد أخذها بعض رجال الأعمال والإعلام مؤخرا.. ليس بالضبط، لكن كل ما ينتمي إلى دولة مبارك ولا يتفق مع النظام الجديد، هو الرجل الرابعة، وعودتها للاتفاق مع الكرسي يوطده، ويجعل أيام القمع هذه مجرد نزهة للإخوان ولثوار يناير.
الرجل الرابعة الآن تسرب وتفضح من داخل النظام، ويفعل الإعلام التابع لها بالسيسي، ما كان يفعله أيام مرسي، ولا أحد تحديدا يعرف كنه الخلاف بين هذه الكانتونات على السلطة، والكعكة تكفي الكل، لكن منذ متى كان التفاهم على مبدأ \”مكسب-مكسب\”هو أحد الخيارات في مصر.. سواء بين الأوساط الثورية أو الثورية المضادة، أو على صعيد مصر أساسا.
ومازال أمام الرجل الرابعة خيارات، إما أن تتفاوض وتتعايش مع النظام، وتكمل اتزانه وتقتسم معه الكعكة، وإما أن تضرب من يجلس على الكرسي في قصبة رجله، ضربة قاسية، فيتأوه ناسيا اتزانه فيسقط بكرسيه أرضا، كما سقط من سبقه، ووقتها لا أظن أن أحدا بالمشهد قد جهز سيناريو لهذا، إلا أصحاب الرجل الرابعة أنفسهم، لنعود لنحمل صخرة سيزيف التي اقترح أن يتم تغييرها في الأسطورة إلى صخرة ثورة يناير والكرسي.