لعب فريقي الأهلي والزمالك مباراة كأس السوبر المصري على أرض مدينة العين مسقط رأس الشيخ زايد رحمه الله، وشاهد الكل النقلة الحضارية الكبيرة في ملعب المباراة من تصوير وإخراج عالمي وتنظيم جيد.
لم يعكر صفوه سوى خروج الحكم جريا من أرض الملعب عقب مشادة بين لاعبي الفريقين، ثم عودته بعدها بدقائق.. أحدا ما لا يدري توصيفها الفني، واظن أن الفيفا ستدخلها على أي مباراة يكون فيها طرف مصري حتى نستوعب خلافاتنا ولو على أرض غير مصرية.
أجواء المباراة ذكرتني بمداخلة للكابتن حسن شحاته وقت لعب منتخب مصر مباراته الودية الثانية أمام منتخب قطر في قطر في ملعب خليفة بالدوحة، الذي لا يقل روعة عن ملاعب الإمارات.
قال المدير الفني وقتها: \”ارى ترحابا شديدا من الأشقاء القطريين، وأرى جهدا مبذولا في الشوارع.. كنت هنا من شهور والمنظر تغير تماما في طريق الملعب\”
كنت وقتها أعمل في قطر وأعرف ما تحدث عنه الكابتن حسن شحاته.
كانت وقتها هناك عملية بنية تحتية هي الأكبر في الدوحة لإعادة رصف الطرق كلها وتحسين الخدمات، وها هي تكتمل بأكبر عقد مادي لمترو أنفاق بالعالم يجتمع مع أكبر عقد لمستشفى في مدينة واحدة.. الدوحة.
في مدينة العين، كنت اجلس على مقهى سنة 2007 وبعض شباب الإمارات يشاهدون مباراة في الدوري المحلي الإماراتي.. دخل المقهي عدة شباب مصريين وطلبوا من المقهى أن يغير المحطة إلى مباراة كرة قدم مصرية محلية.. ابتسم الشباب الإماراتي وتركوا أماكنهم لإخوتهم المصريين في سلام.. رغم تقارب الأعداد ورغم أننا كمصريين ضيوف في بلادهم.
آسف أني خلطت عليك الأمر بمدحي قطر والإمارات، وآسف أني ممتن لهم ولم أجد من شعبهم سوء ولا حكامهم خلال فترة غربتي بهما.. آسف أنك لم تستطيع أن تكّون رأيك واضحا عني كما اعتدت، أو آسف كما لُقنت.. هذا يحب الإمارات، فلأضعه في قالب إنقلابي آثم، وهذا يحب قطر فلأصنفه على أنه إخوانيا خائنا.
هل تعلم أخي المواطن المصري أن غرامة كسر إشارة المرور بدولة قطر هي ستة آلاف ريال قطري، أي ما يعادل أكثر من إثني عشر ألف جنيه مصري، وقبل أن تبرر وتقول هذا يتناسب مع الرواتب.. أقول لك إن رواتب معظم السائقين لا تتعدى ألفي ريال بالشهر.. أي أن من يخالف سيحرم من راتب ثلاثة شهور، ومن اغترب يعلم بؤس من يحرم راتب شهر، فما بالك بثلاثة؟ طبعا لن أنبهك إلى أن لا أحد فوق القانون في هذا الأمر.. كل يدفع مخالفاته.. ليست الجنة طبعا، وهناك طبعا في كل دولة من أمور تعلمها وأعلمها، ولكني أكلمك عن المرور فحسب.
نفس المشهد في الإمارات في المرور.. جرب في دبي أن تلقي بعلبة المياه الغازية الفارغة من شباك سيارتك بعد أن تشربها على الأسفلت، أو على شاطئ من شواطئ دبي العالمية، والتي تدخلها بقيمة رمزية وتحيطك بها سيارات الشرطة تطمئن عليك ولا تفزعك وتوفر لك الأمان وقت راحتك، وجرب أن تحاول رفع المخالفة بواسطة، وستنبهر من أن النظام على الكل.. لاحظ أننا مازلنا نتحدث عن المرور.
فهل عجزنا حتى عن أن نقلدهم في المرور كمثال؟ هل هذا يتطلب أكثر من احترام القوانين من الكل؟ هل هذا له علاقة بالسياسة والاقتصاد؟
أريد أن أقول إن الموقف السياسي للمصريين مع الاحتقان الأخير جعل قطر رمزا لفصيل، والإمارات رمزا لفصيل آخر، بحسب توجه الحكام هنا وهناك.. فهل تعلم أن بين الحكام هنا وهناك نسبا وصهرا؟
لا أريد أن يتخلى أحد عن مبادئه ولا أن يشجع عدوه وخصمه السياسي، لكني أريده أن يرى الحضارة التي ساقها حكام هذه الشعوب لمواطنيهم.. يرون المرور الحضاري والمعاملات مع أجهزة الدولة بيسر وسلاسة.. سواء حكومة إلكترونية أو تعامل مع موظفين يحترمون المواطن، بل يحترمون الإنسان.
سيقول قائل.. البترول يصنع أكثر من هذا، وساقول له: دبي ليس فيها بترول، ويدخلها سائحون أكثر من مصر.. الأمور ليست بهذه السطحية.
إسال من عاش هنا أو هناك من المصريين، وابحث على الإنترنت وجهز لنفسك معلومات، بعيدا عن \”الزن على الودان\” الإعلامي الذي فاق السحر حقا.
ابحث عن المعلومات التي ذكرتها وغيرها في كل المجالات التي سبقت فيها هذه الدول مصر.. مصر التي كان بها حضارة وقت كانت هذه الدول صحراء، وهم معترفون بالمناسبة بهذه الحقيقة ولا يرون فيها انتقاصا منهم، لكن من ينقصه شئ هو من يحس بالنقص ويواريه.
لا أريد لأحد أن يرفع صور حكام قطر والإمارات، ولا أريد أن يسبوهم.. أريد أن نرى تجربة دول، شعوبها تحب مصر فعلا، ويتمنون لها الخير فعلا، ويعرفون حقها عليهم وعلى بلادهم، ويرون تاريخها واضحا دون تكبر على عراقتها، وبمعرفة حقيقية لقيمتها.
أريد أن يطالب كل فصيل يشجع دولة منهما، كأنها مبارة كرة قدم، أن يحث فصيله.. أن يجعل مصر تدخل عصر الحداثة والحضارة مثل هذه البلاد.. نريد حكومة إلكترونية وجامعات تدير أخوة مع جامعات عالمية، ومستشفيات حضارية يعلق فيها ميثاق حقوق الإنسان، لأن العلاج للناس جميعا، بصرف النظر عن الدين والعرق والملة.. نظافة شوارع وأريحية في التعامل بين الناس والناس وحتى الشرطة تخدم وتحمي فعلا.
ستقول لي إن حكام هذه الدول بها كذا وكذا.وساقول مثلك لأريحك.. فهل بعد وصلة السباب تكلمت عن المرور مثلا عندهم وقارنت بينه وبين السيرك المنصوب بشوارع القاهرة، أم سنقضيها سبا ولعنا كديدن الفاشلين.
المشاحنة وتشجيع دولة ما بحجج واهية، ومحاربتها بحجج أوهى في العلن، وممارسة السياسة والدبلوماسية والإخوة في السر، ليس إلا ضحكا على ذقون التابعين من الشعب، وإبعادا لهم عن حساب من يعتلي بالسلطة أو من كان بها.
كل الدول تبحث عن مصالحها وكل الشعوب تبحث عن مصالحها وكل الحكام تبحث عن مصلحة كرسيها.. فإبحث لنفسك كمواطن عن مصلحتك دون تعصب وبالعدل والحق.