رمضان جاب الله يكتب: التبرير خسرنا كتير

كنت أتمني اضافة بعض جمل للدستور، الذي شاركت في كتابته عن طريق تويتر.. لقد ساهمت في مناقشة المادة 21 الخاصة بالتعليم، وهي تقول في جزء منها:

\”وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الانفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية\”

وكانت مشاركتي، تطلب أن تزيد إلى 4% ولم يعيرها أحد اهتماما. وأضفت أيضا \”تتصاعد تدريجيا حتى تصل للمعدلات العالمية\”، وقد لقي هذا الجزء صدى للمشاركة عبر تويتر مع لجنة كتابة الدستور.

أما عن الجملتين اللتين أود إضافتهما، فأولهما عنوان المقال\”التبرير خسرنا كتير\”، وهي مشتقة من حكمة شعبية تجدها مكتوبة خلف التوكتوك غالبا أو سيارات النقل، وتقول: \”التقدير خسرنا كتير\”، وقد تبادرت الجملة إلى ذهني حين انتقدت تقريبا كل من حكم مصر.. مبارك ومرسي والسيسي، فسألني صديقي سؤالا مباشرا، فمن تشجع من الرؤساء إن كان كل هؤلاء لا يرضونك؟

الحقيقة أنني انتقدت التبرير للرؤساء كلهم، ولا أريد فعلا أن أشجع شخصا وأبرر له أخطاءه وأفعاله.. صحيحها وخطأها.. لا أدري كيف يكون دور المواطن أن يبرر لرئيسه دوما، فإذا كان الخطأ أيام مرسي وهو مؤيد لمرسي، لم يره خطأ، وكان حكمة وعين العقل، وإن حدث الشيء نفسه أيام السيسي، فهو خطأ لا يغتفر، والعكس صحيح عند مؤيد السيسي، فمهما فعل السيسي فإنه معصوم، وحتى لو فعل أفعالا فعلها مرسي بعينها، فهي لحكمته التي لم نصل إليها.

قل لي بالله عليك.. ماذا يجبرني على أن أكون في دائرة التبرير هذه؟ وما الذي سيعود على الوطن من التفويض والتبرير على بياض لشخص ما يحكم دون مجلس شعب ولا رقيب؟ غير معارضة مقموعة تغالي غالبا في العداء، وبين مؤيدين ملهوفين مبررين، ولو كان على حساب أنفسهم وضد تفكيرهم وعلمهم وعقلهم؟! ماذا يفيدني أن أنضم لقطيع المبررين لهذا أو ذاك؟ وأبرر عن غيري؟! فلأبرر لنفسي أخطائي أولا، ثم أبرر أخطاء غيري لغيري ثانيا.

لهذا كان حتما إضافة هذه المادة للدستور تماما كما كتب في ديباجته ثورة يناير وثورة يونيو المجيدتين.. يكتب أيضا في الديباجة: \”التبرير خسرنا كتير\” حتى يجد المواطن نصا دستوريا يرحمه من التبرير، ويجعله يتشجع بقول الحق ومصلحة بلاده، ولو كانت عكس ما يقوله الفصيل الذي يتبعه ويؤيده، ويعلم حقا وبالدستور أن التبرير خسارة ، وخسارة كبيرة لأنها تضيع النصح للحاكم والمسئول وتجعله لا يرى إلا صوته، وبالتالي نصنع فرعوننا بأيدينا، ونعود لنشتكي من آثار ذلك علينا، وتأخرنا عن العالم في كل المجالات، ونسأل عن سبب الخسارة والتأخير، ولا نعلم أنه التبرير الذي غاص فيه كبحر رمال لا خروج منه.. الرجل العادي والمثقفين والنخبة – كما يسمونها – كل أكل من فاكهة التبرير المحرمة وحق عليه أن \”يخسر كتير\” كما تقول الحكمة.

النص الآخر الذي أتمنى إضافته هو \”الأفورة جابتنا ورا\”، وهي موازية للتبرير وتسير معه جنبا إلى جنب، فلا أفورة دون تبرير، ولا تبرير دون أفورة، فمثلا مع سيل الاعتقالات لجماعة الإخوان المسلمين صغيرها وكبيرها.. كودرها وأعضائها، ومع حبس نشطاء محسوبين على يناير كثيرين، تجد بعد هذا حالات اختفاء قسري لآخرين، فهل هناك أفورة أكثر من هذا؟

البلد ترفل في قانون التظاهر الذي يجعل كل مواطن يدوس بقدميه أرض الشارع معرض للحبس لثلاث سنوات أو أكثر، وأحكام إعدام بالجملة لكل من عبر أمام مقر لجماعة إسلام سياسي، ومع ذلك تجد اختفاء قسريا! ألا تعد هذه أفورة في القمع؟! طبعا هذا لا يختلف عن أفورة المؤيدين بقتل وحرق كل من ينتمي للإسلام السياسي، ولا يفرقون بين من يدخل إنتخابات ويمارس عملا سياسيا، ومن يفجر ويقتل جنودا أبرياء، وهي أفورة توسع دائرة الضغط على من لا ينتهجون العنف، وتخرج نسبة كبيرة من الشعب من المواطنة بنعتهم بالإرهابيين، لمجرد تأييدهم للإسلام السياسي، سواء عن اقتناع أو غيره من أسباب التأييد.

وعلى الجانب الآخر ترى البعض يهلل لتصرفات الإرهابيين من قتل وتفجيرات، وهي أفورة ناتجة عن القمع وقلة الحيلة، لكنها أفورة \”تجيب ورا\” أيضا كالقمع نفسه، فلا تأييد لتفجير أو إرهاب سيرفع الظلم أبدا، بل سيأتي بظلم أكثر منه شرا.

وإن كان مبررك لهذا أن يذوق الكل من نفس كأسك، فهذا ليس من العدل ولا من الدين الذي تدعي أنك تقمع لأنك تدافع عنه.

فليرحم الكل نفسه من التبرير والأفورة، وليراجع كل مواقفه الآن وقديما، وكيف تتغير مع نفس الحدث، بتغير من يفعله، ولا يخاف أحد من قول الحق في الوطن ولو كان على نفسه أو فصيله.. ليس من أجل المثالية وادعاء البطولة.. لا ليس من أجل هذا، بل لأن هذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ الوطن مما تخاف منه وجعلك تبرر وتأفور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top