رمضان جاب الله يكتب: الإرهاب دائم الحركة

أهدى هارون الرشيد إلى شارلمان ساعة تصدر صوتا وتدور بها كرات معدنية صغيرة، فظن الأخير أن بها عفريتا.

هارون الرشيد كان عربيا – كما تذكر- وشارلمان كان أوروبيا – كما أذكر- هذه الساعة كانت ضمن اختراعات عربية كثيرة قام بها علماء العرب في مجدهم العلمي وقتها، وكان لهم حلم علمي أثبت العلم بعدها أنه مستحيل، وأثبت العرب بعد إثبات العلم إنه ليس مستحيلا.. حلمهم العلمي كان الدولاب دائم الحركة.

دعني أعطيك فكرة عن الدولاب دائم الحركة، ومثال له البندول المعدني اللامع الذي تراه يزين المكاتب، خصوصا مكتب الطبيب النفسي، وهو بندول تدفعه دفعة صغيرة بأصبعك، فيستمر في الحركة للأبد، ومثله عجلة دوارة تلفها بيدك لفة، فتستمر للأبد، وكل ماكينة تدور من دفعة واحدة للأبد دون وقود أو طاقة خارجية هي دولاب دائم الحركة عند علماء العرب.

العرب وصلوا إلى الدولاب دائم الحركة الآن فعلا، رغم أن العلم قد نفى تماما وجوده، لأنه مهما كانت جودة صناعة البندول الذي تهزه على مكتبك أو أي شكل يشبهه يتحرك بدفعة بسيطة، لابد أن يهدأ ويقف بعد يوم أو بعد ساعة أو بعد سنة أو قرن.. حسب قوة الاحتكاك التي تفقده حركته.

العرب وصلوا للدولاب دائم الحركة حلم علماؤهم، وصلوا إليه على أرض سوريا والعراق واليمن، ويحاولون بدأب في مصر.. وصلوا إليه، لكن للأسف في صناعة الإرهاب.. الإرهاب دائم الحركة الذي لا يتوقف.. لا يخفي ما يحدث على أراضي العرب عن الكل، وما يحدث علي أرض مصر مؤخرا لا يبعد كثيرا عن هذا.

تحدث في مصر عمليات إرهابية ضد المدنيين والعسكريين، لا يضبط من قام بها، وفي نفس الوقت تصدر أحكام إعدام ضد قيادات جماعة الإخوان وآخرين ومنهم أساتذة جامعات وأعضاء مجلس شعب وشورى سابقين، ولا يوجد ما يدل على توقف العمليات الإرهابية نتيجة مثل هذه أحكام، فهل هو حل الخطأ بخطأ أكبر، دون تدقيق ولا فحص بنظرية كبش الفداء.

هل يتعامل النظام بمبدأ التلفيق، وبالتالي يظل المجرم الحقيقي طليقا، ويصنع من المظلوم الملفق له مجرما جديدا، ومظلومية عند أتباعه لا يعلم أحد كيف سيوجهها، فيدخل الصراعات السياسية على الكرسي إلى صراعات دموية صفرية، وسط إيهام المواطنين أن الحرب على الإرهاب تسير على نحو رائع.

نحو رائع أصبح نصف المواطنين معه الآن مقتنعا تماما أن أستاذ الجامعة الذي درّس له ولأولاده بالجامعة إرهابي جاسوس ويستحق الإعدام، واصبح النصف الآخر مقتنعا أن الجندي الذي كان بالأمس صديقه يجالسه على المقهى ويشاطره أفراحه وأحزانه، أصبح هذا الجندي عدوا للإسلام ولابد من إبادته بتفجير أو برصاصة!

أي معجزة علمية أكبر من هذه المعجزة، فلينبهر أبناء شارلمان حتى يثملوا إنبهارا، وليفرح أبناء هارون الرشيد بتحقيقهم حلم علمائهم، فها هو الإرهاب يفرخ أتوماتيكيا دون طاقة أو جهد مبذول، وها هو الصراع على كرسي الحكم بعد ثورات الربيع العربي قد حول الكتلة الكبيرة من الشعوب إلى كرات معدنية صغيرة في دولاب الإرهاب دائم الحركة.

براءة إختراع الإرهاب دائم الحركة في مصر يصاحبها براءة إختراع الإعدام دائم الحركة، الذي يحظى به قيادات الإخوان، حتى إن بعضهم يحظى بحكمين وثلاثة من الإعدام في قضايا مختلفة، ولا الإرهاب يتوقف ولا فشل الجماعة سواء في الحكم أو في الدفاع عن نفسها ضد الجرائم التي لم ترتكبها يتوقف، وتحاسب الجماعة على المشاريب كلها كما يقولون بالعامية.

هذا الدولاب الذي بدأ بالدوران بالفعل منذ رفض مرسي الاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية، قد اصبح غولا متوحشا يدور ليأكل الأخضر واليابس، ومن بالحكم دوما هو المخطئ الأكبر في حق نفسه والبلاد وأحكام الإعدام التي تصدر بحق سياسيين تجعله دولابا دمويا لتفريخ الإرهاب.

الحل في القبض على الإرهابيين الحقيقيين، وعدم تلفيق أي تهم لأحد في ظل التأييد والخوف الشعبي العارم من تبعات الإرهاب، فلا شئ أسوأ من إرهاب يحصد عسكريين ومدنيين عزل وأبرياء.. لا شئ أسوأ من هذا إلا إدانة برئ بتهمة من فعل هذا، والاثنان لا يفعلان شئ للبشرية إلا تقديم إرهاب دائم الحركة كإختراع حصري للعرب فشلوا فيه أيام هارون الرشيد ونجحوا فيه الآن.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top