هناك فيلم أمريكي أنتج في التسعينيات وحقق نجاحا وقتها بمصر والعالم.. الفيلم اسمه \”سرعة\” واسمه التجاري \”بأقصى سرعة\”.. الفيلم يتحدث عن ضابط من ضباط مكافحة الارهاب ينقذ أتوبيسا من الانفجار بركابه. في لقطة في أول الفيلم يجلس البطل مع أصدقائه الضباط مساء، يتحدثون، فيطرح أحدهم لغزا يخص –مكافحة الارهاب- مهنتهم.
اللغز كان: ارهابي يحتمي برهينة أمامه ويحاول الهروب من أمامك؟ ماذا تفعل لتمنعه؟ماذا تفعل؟
يرد البطل بهدوء: اضرب الرهينة.. يتعجب صديقه طارح السؤال، فيرد البطل: نعم اضرب الرهينة في قدمه رصاصة غير مميته، فلا يستطيع المشي ويصبح عبئا على الخاطف، فيتركه ويمكن اصطياده.
هذا بالفعل ما حدث في بقية أحداث الفيلم، إذ ضرب البطل زميله الضابط في قدمه حين اتخذه المجرم رهينة، وحل هذا الموقف عمليا ليؤكد نظريته.
أتذكر هذا حين اسمع عن 11 مليون لاجئ سوري يفرون من جحيم سوريا.. نحن متفقون أن سوريا أصبحت جحيما.. وسط عالم يسمح بالجحيم، طالما بعيدا عن مصالحه.. جحيم لدرجة توريد لاجئين للعالم بأكبر أعداد منذ الحرب العالمية.. متفقين على الجحيم في سوريا ومختلفين على سببه.. منا من يقول بشار وأنا منهم، ومنا من يقول بل من تسبب بالثورة والربيع العربي أساسا، وهذا المقال للرد على الأخير.
حكيت قصة الفيلم في أول المقال لأثبت وجهة نظري، وسأزيدك من الشعر بيتا.
يقول لك صديق مثلا: أنا عندي وقتا للقراءة وأحبها وليس عندي نقودا اشتري كتابا كذا وكتاب كذا، فتشتري له الكتاب وتعطيه له وترى هل يقرأ أم لا.. هذا هو ضرب الرهينة.. إغلاق الحجة وقفل الطريق.. هنا أنت لا تتحدى صديقك.. يمكن أن يكون الموضوع كله مزاحا وفي جو من الصداقة، لكن هل يجرؤ بعدها بمزاح أو جد أن يقول لك ليس عندي نقود لاشتري كتابا إذا لم ينه قراءة الذي جلبته له.
أقول أن شخصا واحدا على رأس الحكم في سوريا ومثله ليبيا واليمن قد أحال البلاد جحيما واتبع سياسة الارض المحروقة، وللأسف لم يتعلموا من تجربة دول قبلهم في الربيع، إلا كل سوء وغدر.. تعلموا من تجربة تونس أن زين العابدين حين هرب مبكرا خسرالحكم، ولم يتعلموا أن شعب تونس فاز بحريته، أو بطريق حريته إن صح التعبير، لأن تجربة الحرية للشعوب لابد لها من وقت للممارسة والتعلم بالخطأ، تماما مثل بداية حياة الإنسان، خصوصا إن ظل تحت أسر حكم الفرد عقودا، وتعلموا من تجربة ليبيا أسوأ ما فيها، ولم يتعظوا بمن اتخذ ميليشيات تحميه وتخدم شخصه كإله على الأرض ورث جزء منها بحدود وعلم ونشيد وكتاب أخضر لا ينازعه السلطان أحد بشرع أو بعرف أو انتخابات.
بشار سن سنة لم يسنها حتى هتلر الذي انتحر.. قال لنفسه زين العابدين هرب وقد يلاحقونه -ولو أنه الآن في خير حال كرئيس سابق- وقال ومبارك يحاكم -وهو أيضا الآن في خير حال رغم أنف الثورات-.قال هذا لنفسه، ثم فكر ودبر.. قتل كيف دبر، ثم قرر أن يبدأ الرصاص الحي على المتظاهرين.. لم تكن داعش ولا جبهة النصرة ولا غيرها موجودة وقتها في أول الثورة السورية.. كان هناك شعب سوريا يتظاهر سلميا وبشار وأمنه وجيشه الذي لم يطلق رصاصة على إسرائيل من أربعين سنة وسلمهم الجولان بشهادة الشهود، وعذب وقتل واخفى الكثير من شعبه قبل الثورة في عصره وعصر أبيه، ولم تعمل مخابراته إلا على السوريين بالخارج، تلقي عليهم وعلى اللبنانين قمائتها وحقارتها، ولا يرى منها العدو الصهيوني سوى كل سلام ومحبة، لدرجة أن إسرائيل زرعت عميلا في سوريا، أكتشف حين ترشح لوزراة الدفاع، هو إيلي كوهين الذين يعتبرونه بطل قومي في دولة الاحتلال.. أم المصائب وحامية الأنظمة الغربية الفاسدة كما يحمي رئيس الحي المرتشي المهندس المرتشي.. بشار بدأ الحرب على المظاهرات واخترع نقلة نوعية في الربيع العربي.. لن نترك الحكم ولو تشرد شعب سوريا كله، وقد اقترب من هذا فعلا، وهو بهذا يثبت أن شخصا واحدا أهم من الملايين التي قتلت وشردت.. سيقول لي أحدهم: \”لو ترك الحكم من أول يوم لحدث أكثر من هذا\”.. أكثر من هذا يعني يوم القيامة؟! أكثر من هذا مستحيل كان يحدث.. هذا بالعقل.
انظر للمدن السورية وقل لي بالعقل، كيف كان سيحدث هذا إذا هرب بشار من أول أيام المظاهرات كـ بن علي في تونس، وضرب للمؤامرات الخارجية الرهينة كما وضحت لك بالأمثلة، بل هو فعل فعلا شيطانيا.. ضرب الثورات العربية في مقتل ومنها مصر، ولوﻻ حفظ الله وتماسك جيش مصر –الجيش كمؤسسة وطنية وليس أي شخص بعينه- فصنع الآلهة مثل بشار وغيره هو ما يؤدي إلى ما فيه سوريا.. الله يمنح الأمان للبشر. ولا أحد يحكم يأخذ صفة الإله، فلا يجوز التعقيب على حكمه، وبشار كغيره يستقتل على الكرسي من أول يوم طلبا للسلطة وخوفا من المحاسبة، وموقفه كان أصعب من مبارك وبن علي، لأن جرائم نظامه في سوريا ولبنان كانت أكبر وأفظع.
وإن كان بشار حقا يخاف على شعبه، فليترك الكرسي الآن الذي يموت بسببه كل هذه الناس، وتشرد بسببه الملايين.. يتركه ويختفي في روسيا أو إيران، هو وكل أقاربه وزبانيته ولن يطاله أحد، لكنه لن يستطيع فعل هذا، وضرب الرهينة حتى بعد كل هذه السنوات من القتل والوضع الميئوس منه وبعد أن أصبح هذا هو الخيار الصحيح له للحفاظ على حياته بعد خسارته معركته وتدمير بلده بيديه.. شخص واحد مقابل ملايين.أنى يكون الحق معه، إلا لو كان نبيا مثل سليمان أرسله الله ليحكم ولم نحط علما! مثله مثل كل الحكام العرب، ولولا الصدمة الأولى والخوف من القتل في الميادين، لكان مبارك وبن علي فعلوا فعلته.. حتى مرسي الذي أتت به ثورة، كان يمكنه إنقاذها وإنقاذ نفسه باستفتاء، تكبر عليه فذاق وأتباعه ما لم يذقه مبارك وأتباعه، ونكل به وبجماعته بأكثر من ذنبهم.. لا أحد يترك الكرسي طواعية.. صار هذا مفهوما.. هذه صفة عربية مثل حرف الضاد. ومن ترك منهم ومن لم يترك يعمل المؤامرات ليحمي فسادا قديما ويطلب جديدا، فليضرب بشار الرهينة إن استطاع وليضرب المؤامرات الوهمية التي يختلقها كل حاكم يقتل ويستقتل على الكرسي ويتبعه بعض شعبه خوفا وطمعا، فليثبت أنه لا يريد منصبا ولا جاها، لكن هيهات له أن يتنازل وهيهات لمن يدعمه ويبرر له أن يرى أن الأزمة فيه هو.
لك الله يا سوريا.. هو الباقي لشعبك، كما بدأوا ثورتهم في ظل نظام عالمي لا يحترم إلا مصالح الأقوياء ولا يعرف للإنسانية معنى إلا من شعوب وأفراد تبقت بهم بعضها ويتحملون عبء ذلك.. حقا قال السوريون وقتها في بدء ثورتهم.. ما لنا غيرك يا الله.
ونعم بالله.